يحكى أن رجلا فاضلا تكاثرت عليه الهموم و الأحزان..
فشعر بانقباض شديد في صدره جعله يسير في شوارع المدينة على غير هدى...
إلى أن خرج منها و فوجئ بنفسه تائها في الخلاء بين التلال الموحشة فشعر بالرعب بعد أن استولت الظلمة على المكان فزادت من وحشته غير أنه رأى على بعد من المسافة أنوارا...
بدأت تتضح ملامحها كلما اقترب منها...إلى أن وصل إليها كان المكان كله يسبح في الضياء…
سرادق هائلة الحجم تجلس فيه مجموعة من البشر في هدوء و رقة حتى أصبح في وسطهم…
فجلس معهم و رحبوا به في صدق و قدموا له مشروب القرفة الساخنة الذي دفع الدفئ في أوصاله ثم قدموا له قهوة ساخنة كان بالفعل بحاجة إلها..
بدأ يشعر بجمال غريب يتسلل إليه و كأنه في عالم مسحور..
حتى صوت القارئ كان جميلا جدا و قويا و كأنة آتيا من السماء وعندما انتهت السهرة كان قد تخلص تماما من إحساسه بالهم و الإكتئاب ودعهم و لسانه يلهج بالشكر والثناء...
سألوه: لعلك سعدت معنا هذه الليلة؟
فأجاب: أنا أكثر من سعيد أنا فرح أشكركم من كل قلبي فقد أزلتم إكتابي و رفعتم عني أحزاني..
فصوت القارئ كان جميلا لدرجة لا توصف.. والجلسة مريحة للغاية.. والقوم حولي كلهم طيبون.. والقهوة لم أشرب مثلها من قبل....
و أخيرا وصفوا له طريق العودة و أعطوه صرة ثقيلة و طلبوا منه أن لا يفتحها إلا عندما يصل إلى بيته و عندما وصل إلى بيته فتحها فوجدها ممتلئة بالذهب..
كما كان متوقعا فظهرت عليه أثار النعمة إلى درجة أثارت دهشة و فضول زملائه كما أثارت حقد البعض..
سأله أحد الحاقدين عن مصدر هذه النعمة ؟ فحكى له الرجل ببساطة تفاصيل كل ما حدث له في تلك الليلة...
فلم يضيع الحاقد وقتا و خرج من فوهة المدينة و سار في الخلاء إلى أن غربت الشمس و سادت الظلمة المكان...
سار في كل الاتجاهات إلى أن وجد السرادق و البشر فرحبوا به في حرارة فرد عليهم ببرود..
جلس متململا في مكانه إلى أن انتهت السهرة... سألوه:
و هو يستعد للانصراف هل سعدت معنا الليلة؟
أجاب في استعلاء: ليس كثيرا... فالمقاعد لم تكن مريحة..و قديمة.. و قماش السرادق بهتت ألوانه و تمزقت أطرافه...
ثم من أين أتيتم بهذا القارئ صاحب الصوت الرديء ؟ إن صوته أشبه بغثاء المعيز... صوته يصلح فقط للنجوع في القرى الفقيرة...
في المرة القادمة سأدلكم على مكان أفضل تحضرون منه أدوات الفراشة... كما سأحضر لكم مقرئ عظيم...
و ماذا عن القهوة ؟ لا تؤاخذوني فأنا صريح جدا... البن رديء جدا في المرة المقبلة سأدلكم على أعظم محل لبيع البن...
و الآن بعد إذنكم فليس لدي وقت... هل تتكرمون بإعطائي الصرة !!
فسمع صوتا يقول له خذ...
و فجأة اختفى كل شي السرادق .. و البشر.. و الأنوار .. لا شي حوله سوا الظلمة.. و صفير الرياح .. وعواء الذئاب...
عندها أدرك الرجل الحاقد أن المشهد جميعه كان من صنع السراب الطيب لعله كان يتسلى باختبار البشر...
مسكينا هذا الرجل فقد رسب في الامتحان...امتحان العدل و الجمال لم يكن عادلا و لم يكن جميلا...
ستقابل في حياتك كثيرين من هم عاجزين عن تقييم أي إنجاز...حتى لو كان من صنع السراب...ستراه يتفرغ لتشويهه و النيل منه لإفتقادة إلى العدل و الجمال
مواقع النشر (المفضلة)