في قلب كل منا نوازع للخير وأخرى للشر، تتصارعان في كثير من الأحيان حتى تسود إحداهما وتنتصر على الاخرى، ويظل الإنسان في صراع دائم بين الخير والشر طيلة حياته، غير أن ما يحسم المعركة دوما هو الانحياز لقناعات معينة من عدمه.
تلك القناعات تصب جميعها في خانة واحدة وهي الالتزام الديني، فإذا كان الإنسان يضع نصب عينيه أوامر الله عز وجل ونواهيه، فهو من دون شك سينحاز إلى فعل الخير ولا يترك نفسه لوسوسة الشياطين، وان كان لكل منا هناته وأخطاؤه، أما إذا ترك المرء نفسه على هواها فإنها كثيرا ما تجنح إلى الانحراف عن جادة الصواب.
وعلى أية حال يمكن القول إن الالتزام بطاعته سبحانه وتعالى تجعل الإنسان دوما في حالة تيقظ لفعل الخير باعتبار أن هذا الخير ما هو إلا انعكاس لمدى الإيمان بالله وتأكيد على نقاء القلوب ورغبتها الخالصة في الفوز بالثواب والأجر العظيم الذي وعد الله عز وجل به عباده المؤمنين.. يقول تعالى: “وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون” (البقرة-272).
الخير صفة تجمل صاحبها وسلوك يرفع من مكانته بين الناس، فالإنسان الذي يميل دائما إلى فعل الخير، هو إنسان يؤثر الناس بسلوكه وتصرفاته النقية ويكسب حبهم واحترامهم، وهي ميزة قد يعجز الكثير من أصحاب القلوب القاسية عن الوصول إلى أدنى درجاتها لأنهم ببساطة لا يحبون إلا أنفسهم فقط دون الالتفات للآخرين، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على بخل في المشاعر والأحاسيس بالإضافة الى البخل المادي.
الإنسان الخير بطبعه إنسان كريم يجود بما يملك عن طيب خاطر ويسعد بقربه من الناس ويشعر براحة نفسية لا مثيل لها إذا استطاع مساعدتهم على تجاوز أزمة مادية أو معنوية، وتجده مستعدا لإغاثة الملهوف ومساعدة الفقير وإطعام الجائع والمشاركة في الأفراح والاتراح وعيادة المريض والمسح على رأس اليتيم.
أهل الخير هم أناس وضع الله عز وجل في قلوبهم الرحمة وخصهم بمشاعر فياضة مرهفة تحفزهم دائما على الإحساس بالناس والتعاطف معهم فلا يكفون عن ذلك ولا يتكاسلون حتى وإن كان ذلك على حساب مصالحهم الشخصية، فهم ينفقون ويبذلون الجهد والمال ثقة بعطاء الله سبحانه وتعالى.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قال الله تعالى: انفق يا ابن ادم ينفق عليك”.
هؤلاء بلا شك يمثلون درع الأمان التي تحافظ على تماسك المجتمع وترابطه، وهم بحق النواة الأساسية التي يقوم عليها أي نظام اجتماعي متوازن، لأن ما يفعلونه من خير هو تطبيق لما امرنا به ديننا الإسلامي من قيم تدعو كلها إلى إعلاء الفضيلة.
قد يقول قائل: إن الحياة العصرية أبعدت الناس كثيرا عن بعضهم البعض، وأصبح كل منا يدور في فلكه فقط من دون تكبد عناء مجرد الالتفات إلى الآخر ومعرفة أحواله لأن ذلك في عرف البعض ما هو إلا إضاعة للوقت “ومادامت لا تربطني بهذا الشخص مصلحة ما فليس لدي من الوقت ما أضيعه في السؤال عنه أو المشاركة في مشكلاته”.. وهذا بالتأكيد يحدث بل ويسيطر على عقول الكثيرين لدرجة انه أصبح منهجا يوجه تصرفاتهم، ولكن على هؤلاء أن يدركوا أن الإنسان لا يعيش في هذه الحياة بمفرده ولنفسه فقط، وأنه حتما سيحتاج الآخر في يوما ما، ووقتها لن يجد من يؤازره ويسانده، لأن من يزرع يحصد ومن لا يفعل لا يجني إلا السراب.
مواقع النشر (المفضلة)