ليس هذا فحسب .. بل يُمنع أن ينطقن ببنت شفة .. فهن أقلُّ من وأحقر من أن يُبدين رأياً أو يبتدرن قولاً ..
بالطبع ما أوردته بالأعلى ليس منطقي أنا .. وإنما هو واقع بعض الذكور الذين ما زالوا يعيشون بيننا .. فهم يتعاملون مع المرأة وكأنها ليست إنسانة ذات كرامة فضلاً عن أنها ذات مشاعر وأحاسيس ووجدان ..
جمعني لقاء بأحد الأفاضل كان قد عمل لفترة من الزمن في إحدى المحافظات التي يغلب على أهلها تحقير المرأة والتقليل من شأنها .. وسرد لي بعضاً من معاناته هناك .. والتي من بينها النظرة الدونية لأهل تلك المنطقة للمرأة أو لمن يرفع من شأنها أو يحترمها ويُقدِّرها ..
من ذلك .. أنه ذهب ذات مرة إلى قسم الطوارئ في أحد المشافي لمرض مفاجئ ألمَّ بأحد أبنائه .. وبينا هو في قاعة الانتظار يتحين وصول الدور إليه .. إذ من بين الموجودين رجل ملثم بشماغه ومعه طفل صغير .. وكان الوحيد الذي يُرافقه طفل !!.. يقول : وكان كلما وقعت عيني عليه سرعان ما يولَّي بوجهه صوب الجهة الأخرى .. ما أثار استغرابي من ذلك .. يقول : وبعد أن خرجت إلى خارج المشفى .. إذا بذلك الرجل يتقدم نحوي على استحياء وتردد .. ثم يُبادرني بالمصافحة .. وما لبث أن نزع عن وجهه ذلك اللثام وهي يلتفت يُمنة ويُسرة خشية أن يراه أحد !! فإذا به أحد زملائي في العمل من أهل تلك المنطقة .. يقول : وعندما رأى علامات التعجب والحيرة تعلو مُحياي .. قال لي : يا أخي .. والله فشيلة .. الولد كان مريضاً جداً .. والمتعارف عليه أنه كان ينبغي أن تكون أمه هي المصاحبة له هنا لا أنا .. غير أنها هي أيضاً مريضة ولا تقدر حراكاً .. ما أجبرني على أن آتي أنا بنفسي مع ولدي إلى هنا .. ولو رآني أحد ممن أعرف وأنا اصطحب ولدي .. والله لأسقط من أعينهم ولا يعود لي عندهم أي قدر ولا مكانة !!! لأن ذلك عيب عندنا ..
أخبرني ذلك الرجل .. أنه عندما تجتمع النساء عند زوجته في البيت .. يحسدونها جداً على هذا الاحترام والتعامل غير المألوف بالنسبة لهن من قبل زوجها .. ويسردن لها ما يواجهنه من استحقار وإذلال من قبل أزواجهن لدرجة أن إحداهن لا تستطيع حتى أن تُبدي رأياً أو أن تطلب طلباً .. بل أن بعضهن تقول إن زوجها لا يُمكن أن يتناول معها وجبةً غذائيةً على سُفرة واحدة .. فهي أقل من أن تجلس معه على مائدة واحدة !! ..
بالمناسبة ..
أخبرني أحد كبار السن ممن أحبهم محبة كبيرة .. ولهم عندي مكانة وقدراً .. بهذه القصة الواقعية التي حصلت أحداثها في قريتهم في قديم الزمان :
يقول : إنه كان هناك رجل من الصنف الذي لا يقيم للمرأة أي وزن .. وكان دائم التنقٌّص من زوجته واستحقارها ونعتها بأقبح الأوصاف .. وكان دائماً ما يُردد على مسامعها أن المرأة ناقصة عقل ودين .. وكان لا تمر مناسبة إلا ويُكرر تلك الإسطوانة عليها .. ما ولَّد لديها رغبة جامحة على الانتقام منه .. وإثبات عكس ذلك لزوجها .. والتأكيد له أن كيد المرأة عظيم .. وأنها لا ينقصها المكر والخديعة ..
يقول محدثي حفظه الله ورعاه .. وأطال في عمره في عمل صالح وصحة وعافية :
وفي يوم من الأيام .. نزل في بيت ذلك الرجل إثنين من أبناء عمومته كانا في سفر .. فرحَّب بهما أيما ترحيب وأنزلهما ما يستحقان من منزل .. وسارع إلى ذبح خروف لهما كما تقتضي العادة عن العرب .. وكان الطبخ آنذاك في البيت .. فلا مطابخ ولا مطاعم كما هو الحال اليوم .. وضع الرجل تلك الذبيحة في القدر على النار .. وذهب إلى ضيفيه يستطلع أخبارهما ويؤانسهما إلى حين أن ينضج الخروف .. وكانت تلك اللحظة بمثابة ساعة الصفر التي طالما حلمت بها تلك الزوجة للانتقام من زوجها .. فما كان منها إلا أن أخرجت اللحم نيئاً من القدر .. ثم وضعته كما هو في (خيشة) كانت قد أعدَّتها لذلك الغرض .. ثم قامت بإخفائه في مكان غير معلوم للزوج وآمن في ذات الوقت .. في حين أبقت على رأس الخروف معها ولم تضعه مع بقية اللحم .. بل وضعته بينها وبين ملابسها من ناحية صدرها .. حيث كان النساء في ذلك الحين يلبسن فستاناً كاملاً من قطعة واحدة ثم يربطن أوساطهن بقطعة قماش ..
وبعد مضي بعض الوقت .. استأذن الرجل ضيفيه وذهب إلى القدر ليرى ما حلَّ باللحم .. فكانت الصاعقة عندما لم ير أي أثر للحم فيه .. فهبَّ كالمجنون إلى زوجته ينشدها عن اللحم .. فأجابته متسائلةً بكل براءة !! .. أي لحم يا رجل الذي تسأل عنه ؟!!! .. قال : لحم الخروف الذي ذبحته قبل قليل .. الذي كان في القدر .. فردَّت متسائلة : ومن قال لك أنك ذبحت اليوم خروفاً أصلاً ؟!!! .. فجُنَّ جنون الرجل .. وهمَّ يريد أن يضربها ضرباً مُبرحاً .. فما كان منها إلا أن هربت مسرعة صوب المجلس الذي يجلس فيه الضيفان .. واستجارتهما من زوجها الذي كان يُلاحقها بشكل هستيري وظلَّت مختبئة خلف ظهريهما .. ووسط ذهول الضيفين وارتباكهما وعدم استيعابهما لما يحدث .. دخل الزوج وهو في قمة غضبه وعنفوانه والشرر يتطاير من عينيه ..
فحال الضيفان دونه ودون زوجته .. فسبقته بالكلام قائلة لهما : الله المستعان .. هذه حاله منذ فترة .. لا أدري ما الذي يعتري عقله أحياناً .. فيظن أنه فعل شيئاً وهو لم يفعل .. فقاطعها مذكباً لها ومتوعداً إياها وعيداً شديداً والضيفان ما زالا يحولان دونه ودونها .. ويحاولان جاهدين أن يُهدآ من روعه .. فقالت : يا جماعة الخير .. الرجل يدَّعي أنه ذبح لكما خروفاً .. وهو لم يذبح شيئاً .. فزاد غضب الزوج .. وأخذ يرعد ويزبد ويُطالبها أن تُعلمه أين أخفت لحم الخروف .. في تلك الأثناء .. كانت الزوجة ومن خلف ظهري الضيفين تُظهر لزوجها رأس الخروف الذي تُخبئه بينها وبين ملابسها .. ما جعل الرجل يستشيط غضباً .. ويصرخ كالمجنون : هاااه .. أرأيتم .. هذا هو رأس الخروف في صدرها !!! .. فبادرت : الحمد لله .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. أرأيتم كيف هي حالته .. يقول إن رأس الخروف في صدري ؟؟!!! .. هل يقول هذا الكلام عاقل ؟؟!! الله المستعان ..
في خضم هذه المعركة .. رأى الضيفان أن يرحلا من ذلك المنزل .. غير أنهما احتارا كيف يتركان تلك المسكينة مع ذلك الزوج وهو بتلك الحالة .. فما كان من الزوجة إلا أن اقترحت عليهما أن يشدَّا وثاقه بإحدى سواري المنزل حتى تهدأ حالته ثم تقوم هي بفكه .. فاستحسنا الفكرة .. وهمَّا بربطه بإحدى سواري المنزل .. والرجل يصرخ ويُطالب الضيفين بعدم تصديقها وووو.. فتقوم هي وتُريه رأس الخروف .. فيعود ويصيح عالياً .. هاااا .. أنظروا رأس الخروف في صدرها .. والرجلين يحوقلان ويسترجعان والحسرة بادية عليهما ..
بعد أن قاما بربط الرجل بالسارية .. استأذنا بالرحيل .. فذهبت تلك الزوجة إلى زوجها وهو مربوط بالسارية .. وقالت له : هاه .. ما رأيك الآن ؟!! .. هل ما زلت مُصرَّاً على تحقيري والتقليل من شأني وأني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً ؟! .. فأخذ يُهددها ويتوعدها بالويل والثبور .. فقالت له : رويدك .. رويدك .. لا ترعد ولا تزبد ولا تهدد ولا تتوعد .. فمصيرك بات بيدي أنا .. وأنت بنظر الناس الآن مجنون .. وبإمكاني أن أُبقيك هكذا إلى ما شاء الله .. فطلب منها أن تفك وثاقه .. فأبت .. إلا أن يحلف لها أيماناً مغلضة أن لا يمسها بسوء .. فوافق على مضض .. وأقسم لها بالله أن لا يمسها بسوء .. عندها قامت بحلِّ وثاقه ..
وعاد في اليوم التالي .. فرحَّب بضيفيه مرة أخرى .. واعتذر منهما لما بدر منه .. وأقرَّ أن تلك الحالة تُصيبه من حين لآخر .. وأنه لا حول له ولا قوة تجاهها .. ثم أتم بعد ذلك ضيافتهما طوال الفترة التي مكثاها عنده إلى أن غادرا .. وأصبح مكسور الجناح أمام زوجته .. فلم يعد له بعد ذلك مسوِّغ لأنه يتهكم بها وينتقصها ويستهزأ بها .. بعد تلك المؤامرة التي حاكته ضده .. وجعلت منه رجلاً مجنوناً وهو في الواقع ليس بمجنون .. غير أن كيدهن عظيم ..
كفانا الله نحن معشر الرجال .. كيد النساء .. فإن كيدهن عظيم بالفعل..
تحياتي ،،،
مواقع النشر (المفضلة)