إن النفس لا تسعد ولا تطمئن إلا بالرضا والقناعة بما قسم الله تعالى لذلك نجد أن من أسوأ الناس حظا الحاسد لأن عيونه في جنة مؤقتة ولكن قلبه في نار دائمة محرقة، لأنه ينظر إلى ما عند الناس من النعم نظرة حاسد يتمنى زوالها ولا يقنع بما أنعم الله به عليه، ولذلك فإن أصحاب الرضا والقناعة هم السعداء في كل زمان ومكان ومن ترك لنفسه العنان في التمني والتسخط أوردته نفسه المهالك واصطلى بلهيب السخط قبل غيره لذلك صدق الحكماء عندما قالوا: (لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله).
إن الله عز وجل يختار لعبده الخير في الأمور كلها ولذلك سبقنا الأجداد في الرضا بالقضاء ومن القصص المعبرة في ذلك أن أحد كبار السن الحكماء كان يردد على لسانه دائما عبارة (لعل في الأمر خيرا) حتى ضاق به ذرعا بعض المحيطين به من المتعجلين ذوي النظرة السطحية القاصرة فأرادوا أن يكيدوا له في أحد أسفارهم معه فسرقوا نقوده ودفنوها بقرب نارهم التي يعدون عليها طعامهم وفجأة صاحوا به: لقد سرقت نقودك أيها الشيخ. فقال مباشرة: (لعل في الأمر خير) كعادته فلامه القوم وبكتوه وقالوا: أي خير في سرقة متاعك؟
وحصل ما لم يكن في الحسبان حيث أحاط بهم اللصوص من كل جانب فسرقوا الإبل بكل ما عليها وتركوهم عند نارهم لعدم علمهم بوجود كنز مدفون تحتهم فكشف له رفاقه الخطة وأخرجوا له نقوده المدفونة فضحك عليهم حيث تغلب بحكمة (لعل في الأمر خيرا).
إن الرضا بالمقسوم طارد للهم والغم لأنه جنة في قلوب الراضين وصدق الله عز وجل حينما وصف عباده الأتقياء فقال: (رضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فعلى العاقل أن يرضى بالكفاف ولو كان رغيفا جافا ولا يحسد ذوي الغنى والإجحاف، ولينظر إلى نعم الله عز وجل التي تحيط به من كل جانب فالصحة في الأبدان والأمن في الأوطان من نعم الديان التي تستحق من الجميع الشكر بالقلب واللسان.
مواقع النشر (المفضلة)