لقد ظهرت في الآونة الأخيرة ظاهرة لم يعهد عليها مجتمعنا من قبل والتي أصبحت أكثر انتشاراً في معظم المجتمعات والمناطق وهي ظاهرة الاستراحة (الديوانية) للشباب، وأعني بالاستراحة ذلك المكان أو الموضع الذي يتجمع فيه الشباب والتي كانت في بدايتها بديلاً عن المقهى ولكنها أصبحت أكثر ضرراً من المقهى، لأن الشاب في المقهى قد يجلس فترة محدودة تمتد إلى ساعة أو ساعتين على الأكثر، أما الاستراحة فقد تأخذ معظم وقت الشاب فتؤثر على علاقته الأسرية وتضعف انتماءه إلى أسرته وقبيلته وأرحامه، فقد قابلت منذ فترة أحد الشباب فقلت له: “متى تكون متفرغاً لكي أتشرف بزيارتك في منزلك؟”، فقال لي: “حياك الله في الاستراحة فأنا دائماً متواجد فيها”، وهذا مؤشر خطير يوضح مستوى تدني العلاقات بين أبناء المجتمع سواء الأقارب أو الأرحام أو الأصدقاء لأن الاستراحةأصبحت بديلاً عن زيارة المنزل والتي لها ضوابطها وحرمتها وبعدها النفسي والاجتماعي، ففي الماضي كانت الناس تتواصل مع بعضها البعض وتتفقد أحوال بعضها فتساعد المحتاج منهم وذلك من خلال زيارتهم في منازلهم، فكانت هذه الزيارة تعطي فرصة للشاب في أن يتواصل مع الكبير ويجلس معه ليتعلم الكثير من العادات والتقاليد التي يمارسها والداه في كيفية استقبال الضيوف وطريقة التحدث معهم، فمن خلال هذه الزيارات والاجتماعات بين الأب والابن والأخ وأخيه وأبناء عمومتهم وأصدقائهم يتسنى لكل منهم الاستفادة من خبرات وتجارب الآخر لتتقارب أفكارهم وتتلاقح أراؤهم وبالتالي ينشأ جيل واعٍ لمسؤولياته الاجتماعية والوطنية، أما لجوء الشباب وتكتلهم في الاستراحة فقد جعل المجتمع يعيش الطبقية والحواجز بين أبنائه لأن الشباب قد انكفأ وانعزل في هذه الأحواش والغرف المغلقة والتي حالت بينه وبين الأعمال الاجتماعية والتطوعية التي تقدم وتطور المجتمع بل أبعدته أيضاً عن شؤون اسرته والتي تعتبر من أولوياته إلى أن أصبح كل فرد من الأسرة يعيش جواً خاصاً بعيداً عن امه وأبيه وأخوته وأبناء قبيلته.
فقد قرأت في إحدى الجرائد منذ فترة سابقة أن امرأة طاعنة في السن قد أمضت عيد الأضحى والفطر لوحدها، فلم يطرق بابها أحد من أولادها ولا أحفادها، وكم يشتكي الآباء والأمهات كثيراً من الوحدة والوحشة التي خلفها لهم أبناؤهم ظنا منهم أن الوالدين بحاجة إلى المادة فقط فأهملوا الجانب الأهم وهو إشباع حاجاتهم النفسية، وبالطبع فإن حل المشكلة لا يكمن في ترك الاستراحة وإنما في التعامل معها بشكل إيجابي وليس بشكل مفرط حيث يكون على حساب أبنائه وأسرته ومجتمعه، لأن الإنسان لا بد أن يعيش الوسطية في جميع تفاصيل حياته وذلك بتحديد أولوياته وتنظيم أوقاته ليصبح فعالاً ومنتجاً في مجتمعه ووطنه.
مواقع النشر (المفضلة)