الشكر لله بالأفعال.. لا بالأقوال!
عندما تشتدّ متاعبُ الدنيا على النفس، يخيّم على الانسان ذلك الشعور بالعجز والكآبة التي ماتلبثُ أن تصبّ جامها على النفس.. وتوسوسْ لهُ نفسهُ بكلّ سلبيات العالم فتسقيه بشراب الكآبة،..
الإنسان ينعمُ بنعمٍ عُظمى.. ظاهرة وباطنة قال الله تعالى {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20)} سورة لقمان... هُو معجزة متحرّكة في هذا العالم، فكلّ جزء منهُ يخبر عن إعجازٍ في الخلق يُلزم عليهْ ان يشكر الله في يومه ألف مرة.. ولن يوفي شكرهُ.
فماأعظم من نعمة الإيمان بالله، ومافرحنا بنعمة الإسلام، وإن عددناها لن نُحصيها وقال تعالى {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (18)} سورة النحل. تذكّر هذه النّعم هي نعمة بحدّ ذاتها، حيثُ تمتلئ نفسك باحساس الرّضى الذي ينعكس على كل ماحولك.
قال عليه الصلاة والسلام: (عجبا لأمر المؤمن فإن أمره كله له خير، إذا أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإذا أصابته سراء شكر فكان خيرا له) وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله أقواما يوم القيامة في وجوهم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء. فقال أعرابي: يا رسول الله صفهم لنا نعرفهم؟ قال: هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه)، فالشكر هو أعلى درجات العبودية، وهو أرقى من الرضا، فهو جزء منه، وفي حقيقة الأمر، فإن الشكر هو نصف الإيمان، فالإيمان نصفان؛ نصف شكر ونصف صبر.
وقد خصّ الله سبحانه تعالى مفردة الشكر في أكثر من موضع في القرآن الكريم، حيثُ ذكرت لفظة الشكر 74 مرة في القرآن الكريم، كتأكيد على أهميته ومقامه، الله سبحانه وتعالى: {وسيجزي الله الشاكرين}، وقال: {وسنجزي الشاكرين}. وميّز سُبحانه الشاكرين بأكثر من ميزة مثل: أنه لا يعذب الشاكرين من عباده فقال سبحانه: {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً} النساء:147. وبيّن سبحانه أن الشاكرين هم المخصومون بفضله ومنته عليهم من بين عباده فقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}الأنعام:53.، وقسّم الله الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}الإنسان:3. وقال سبحانه: {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}الزمر:7.، وأخبر سبحانه أن حفظ النعم واستمرارها وعدم زوالها وزيادتها مقرون بالشكر فقال عز وجل: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم:7.، وأطلق سبحانه جزاء الشاكرين إطلاقاً، وجعله عليه سبحانه فقال عز وجل: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} آل عمران:145.، وأخبر سبحانه أن رضاه في شكره فقال تعالى: {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} الزمر:,7.
و كثير من الناس يظن أن شكر النعمة هو أن يقول بلسانه : الحمد لله، ولكن هذا ليس شكرا للنعمة ولكنه حمد الله على النعمة، ولذلك فإن شكر الله على نعمة هي القيام بالأفعال والأعمال بتلك النعمة التي من شأنها إرضاء الله تعالى، والعكس صحيح. ويلخص العلامة ابن القيّم الفرق بينهما في كتابه مدارج السالكين - باب منزلة الشكر، بعبارة: الحمد يقع بالقلب واللسان أما الشكر فيقع بالجوارح، ويذيّلها ببعض الأمثلة ومنها: نعمة الإيمان، شكرها: فعل الطاعات التي تنميه وتزيده أما الكفر بها فبفعل المعاصي التي تقلله أو تزيده بالكلية. نعمة البصر، شكرها: النظر والتدبر في كتاب الله، والنظر والتفكر في آيات الله الكونية، والبكاء من خشية الله، والنظر في كتب العلم الشرعية، وحفظ آيات من كتاب الله. أما الكفر بها فبواسطة: النظر الى النساء،و التجسس، واللمز، ونظرة انتقاص واحتقار الآخرين.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وإذا أمسى يقول: {اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر}، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن من قالها حين يصبح فقد أدّى شكر يومه، ومن قالها حين يمسي فقد أدّى شكر ليلته. (أبو داود وحسنه ابن حجر والنووي).
فأين نحنُ من شكرُ الله، والابتهال بنعمه؟ أعاننا وإياكم على شكرهُ يارب يارحمن.
مواقع النشر (المفضلة)