السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة
http://www.alriyadh.com/2010/04/29/article520924.html
حول العالم
الموظف الحكومي والكاتب الحر
فهد عامر الأحمدي
كان لي شرف العمل بوظيفتين لمدة عشرين عاماً كاملة .. الوظيفة الأولى "حكومية" في قطاع التعليم وإمارة المدينة ، والثانية "كاتب حر" في صحيفة المدينة ثم جريدة الرياض .. وخبرة مزدوجة كهذه تؤهلني لأخبركم بالفرق بين وضع الموظف في القطاع الحكومي ووضعه في القطاع الخاص ...
فحين تكون موظفا حكوميا يمكنك تأخير المعاملات أو الجلوس بلا عمل أو رمي مهامك على الغير ثم استلام راتبك آخر الشهر بل واستلام بدل انتدابات مختلقة أما حين تكون كاتبا حرا فلن تستلم قرشا واحدا مالم تقدم إنتاجك قبل موعد الطباعة .. وقد تفقد عملك لمجرد التأخير !
وحين تكون موظفا حكوميا تستطيع الاستفادة من خدماتك للمدير أو قرابتك لرئيس القسم أو حتى صداقتك مع المراسل وحارس الأمن في حين لن تنفعك هذه العلاقات في الصحيفة كون لا أحد يستطيع كتابة مقال أو تقرير يخصك!!
وحين تكون موظفا حكوميا يمكنك أخذ إجازات سنوية واضطرارية واستثنائية ومرضية (واختلاق أي عذر أو تقرير) في حين ان توالي المقالات بشكل يومي وصعوبة تفريغ موقع الزاوية أو حتى التخلي عنها لكاتب آخر تمنعك من أخذ أي نوع من الاجازات (كما هو حالي منذ عشرين عاما) !!
وحين تكون موظفا حكوميا يمكنك اختلاق أي نوع من المشاكل دون أن تخشى شيئا (وفي أسوأ الأحوال سيتم نقلك لقسم آخر دون المساس براتبك أو علاوتك السنوية) في حين لا يمكن للكاتب الحر فعل ذلك لارتباط الراتب والتقدم الوظيفي باستمرارية الانجاز ومستوى الالتزام ناهيك عن صعوبة الانتقال لعمل آخر..
وحين تكون موظفا حكوميا تشعر بالاطمئنان والأمن الوظيفي فينخفض مستواك ولا تجد دافعا لتطوير الذات (ولا حتى دافعا للادخار لوجود راتب مضمون آخرالشهر) أما حين تكون كاتبا حرا فتصبح على كف عفريت كون راتبك يرتبط بإنتاجك وجودة عملك (وبالتالي تفكر بادخار قرشك الأبيض ليومك الأسود)!!
وحين تكون موظفا حكوميا يختفي كسلك وضعف إنتاجك بين جيش من الموظفين الآخرين (فتصبح غير مرئي لا يمكن محاسبتك أو تقييم عملك)؛ أما حين تكون كاتبا حرا فتصبح "تحت المجهر" وقد تحاسب لمجرد كلمة شاردة أو رأي مخالف بل وقد توقف عن العمل لمجرد قراءة خاطئة بين السطور!
وحين تكون موظفا حكوميا لا تحمل هماً لتقارير الكفاءة الوظيفية (هذا إن وجدت أصلا) في حين أن المقال الذي تكتبه أو التقرير الذي تحرره يعد بمثابة تقرير يومي يراجعه خلفك آلاف القراء في الصباح التالي (وهكذا قد تستيقظ صباحا وتفاجأ ب260 ألف رأي غاضب هم عدد قراء الصحيفة)!!
وفي حين لا يحمل الموظف الحكومي همّ المراجع اليومي والمواطن العادي (ويستطيع مماطلته وتعقيده بلا رقيب أو حسيب) يحمل الكاتب الحر همّ القارئ اليومي والمشتري الطوعي ويرصد رأيه في "الخدمة" من خلال الردود والتعليقات التي تنهال على الموقع الإلكتروني !
وحين تكون موظفا حكوميا تعاملك الدولة كالطفل المدلل فتوفر لك الدفاتر والأقلام والدبابيس والشاي والقهوة وبطبيعة الحال المكتب والكمبيوتر والمكيف في حين يتحتم على الكاتب الحر توفير أدواته بنفسه ولا يجرؤ على طلب شيء من صحيفته (ولا حتى بلاك بيري ضرورة التواصل مع العمل)!!
· وباستثناء قلة من الكتاب (المدعومين) يتحتم على الكاتب الحر الابداع بشكل متواصل وتحسين إنتاجه بشكل دائم كون ذلك السبيل الوحيد للاحتفاظ بوظيفته واستقطاب القراء لبضاعته ، في حين يكفي عدم التغيب لخمسة عشر يوما متواصلة لضمان البقاء في الوظيفة الحكومية!
وتتفاقم مظاهر القلق أعلاه حين تتخذ قرارا بترك الوظيفة الحكومية والاكتفاء بصحيفة يومية تعاني هي نفسها من مظاهر العجلة والضغوط التي يعانيها الكاتب الحر (من ارتباط الدخل بمستوى الإنتاج، ودقة العمل بسرعة الإنجاز، ومحاولة إرضاء كافة القراء رغم تعدد الآراء وتصارع الأفكار)!!
... وفي الحقيقة ، لو عاش موظفونا حالة القلق التي يعيشها الكاتب الحر (وشعوره الدائم بأنه على كف عفريت) لتفوقوا على أي موظف ألماني أو عامل صيني أو مهندس ياباني نضرب به الأمثال...
ولو عاشت مؤسساتنا الحكومية بنفس حالة القلق التي تعيشها صحفنا اليومية لتحسنت خدماتها (مع انخفاض مصاريفها) وارتفعت نوعية إنتاجها (مع انخفاض البطالة المقنعة فيها) ولتمكنت من تموين نفسها بنفسها بل وتحقيق أرباح بملايين الريالات كالمؤسسات الصحفية الناجحة...
مواقع النشر (المفضلة)