ف ن الإحساس بالآخرين يكاد يكون مفقوداً في أيامنا هذه.. وأما عن سبب تسميتي له بالففن الإحساس ن فلأنه يحتاج أولا إلى حس مرهف وعاطفة صادقة شفافة، ولأنه ثانياً يحتاج إلى حسن التصرف من أجل نقل الإحساس إلى الواقع العملي إن كان ذلك مستطاعاً.
كم أخطأنا في حق أصحابنا وحق والدينا وأهلينا؟ كم غفلنا عما سببناه لهم من ألم بكلمة ألقيناها عفوا لكنها أثرت في نفوسهم ولم نشعر بأثرها الكبير في قلوبهم؟
كم مرت بنا حوادث مؤسفة سمعنا عنها لأناس حولنا لكنا لم نعرها بالا؟ كم أسأنا عمدا وقصدا ونحن نظن أننا ندافع عن أنفسنا؟ كم أثقلنا على الآخرين من دون أن نراعي ظروفهم ومشاعرهم؟ كم.. وكم..؟
ترى.. لو استعاد أحدنا شيئا من تلك المواقف ثم تخيل نفسه في ذلك الوضع فماذا سيكون إحساسه وهو يتلقى ذلك الكلام أو تلك الإهانة أو يعيش ذلك الضغط؟
فلنتخيل الأب أو الأم ونسينا كل معروفهما لنا ورفعنا أصواتنا عليهما إن رفضا تلبية أحد مطالبنا لسبب ما! إن تخيلنا أنفسنا في مكانهما.. وهذا الولد الذي أمره الله بطاعتنا يعاملنا هكذا ونحن الذين لا نقصد إلا مصلحته فكيف سكيون إحساسنا حينها؟ أي ألم سيعتصر قلوبنا ونحن نسمع كلماته أو نقاسي حزنه وامتعاضه أو سوء خلقه؟
ولنتذكر ذلك الصديق الذي زرناه فأطلنا من دون أن نراعي ظرفا لأسرته أو حاجة يريد قضاءها ونحن نمنعه عنها بطول جلوسنا معه وهو يستحي أن يصرح بحاجة ما خوفاً من أن يحرجنا ونحن بلا أدنى إحساس.
ولنوسع خيالنا أكثر فينطلق عبر الحدود ليحلق في أجواء أبعد فيتخيل حال أرملة ذات أيتام لا تجد من يكفلهم وهي تعاصر حاجاتهم وتسمع أنين مرضهم وسؤال فاقتهم. فلنتخيل ذلك المريض الذي لا يجد دواء أو لا يستطيع أن ينفق على علاجه. فلنتخيل ذلك الأسير الذي يقاسي مرارة السجن وعذاب البعد عن الأهل والحرمان من ممارسة الحياة العادية. فلنتخيل حال ذلك المقاوم الذي احتل بلده فعاش طريدا أو مجاهدا يقاسي برد الشتاء وقيظ الصيف وشظف العيش وهو يسعى لمقاومة العدو ومنعه من التوسع في أرضه.
ما أكثر البؤساء في عصرنا! وكل أولئك يستحقون منا ولو التفكير فيهم ترقيقا لقلبونا وتضامنا معهم في معاناتهم.
إن فكرنا بهذا الأسلوب فلا شك في أن نظرتنا لما حولنا ومن حولنا ستتغير، وستختلف معاملتنا للناس ولن تكون سلبية بل في قمة الإيجابية التي تبني وتراعي الآخر كما تراعي النفس. وقال ديننا على لسان رسولنا (صلى الله عليه وسلم): لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. بمعنى أن إيمانه لا يكون كاملاً، فماذا نحب لأنفسنا إن كنا في مثل تلك المواقف؟ فلنفتح الأفق للخيال.. ولنسأل الله أن يتم علينا نعمته بالأمان والصحة والطمأنينة.. وأن يرقق قلوبنا لمزيد من الإحساس بالآخر، وأن يرزقنا حسن الفهم وكمال الإحساس وحسن التعامل، ولنكن على ثقة بأن ذلك يكفل لنا حياة رغدة أوفر، ونفسية مرتاحة أكثر، وغداً أفضل.
مواقع النشر (المفضلة)