يقول الدكتور عبدالرحمن العدوي أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية: قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنُواْ لاَ تَأكلواْ أموَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ” (النساء: 29)، فنهى الله المؤمنين في هذه الآية أن يأكلوا الأموال التي ليست لهم، ولم يأذن صاحبها في أكلها والتصرف فيها، وقد أوضح هذا المعنى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه” فإذا كان الإنسان يعلم أن صاحب المال تطيب نفسه بما يأخذه من هذا المال، وكان ذلك لا يشق عليه ولا يغضبه، فلا مانع من أن يأكل من هذا المال بالإذن العام الذي علمه من صاحب العمل، ومن العرف السائد في ذلك، وقد ذكر الله تعالى في سورة النور البيوت التي رخص في الأكل منها من غير حرج، ومن غير أن يحتاج الأكل إلى الإذن في كل مرة يأكل فيها، قال جل شأنه: “لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أنفُسِكُمْ أن تَأكلوا مِن بُيُوتِكُمْ أو بُيُوتِ آبَائِكُمْ أو بُيُوتِ أمهَاتِكُمْ أو بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أو بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أو بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أو بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أو مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أو صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تَأكلوا جَمِيعاً أو أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون”، فجعل الله من البيوت التي يجوز الأكل مما فيها من طعام البيوت التي ملك الإنسان مفاتيحها بأن يكون قد أذن له في التصرف فيها كأن يكونوا وكلاء في التصرف في أموالهم، أو من الخدم الذين يجب إطعامهم فيأكلوا إذا علموا أن ذلك بحكم العادة والعرف لا يشق على أصحاب الأمر ولا يمانعون فيه فيكفي في ذلك الإذن العام.
إذا كان العرف والعادة قد جريا أن يأكل الصانع مما تحت يديه من الطعام الذي يصنعه، وعلم أن صاحب العمل لا يغضبه ذلك، وهو يعلم به عادة فلا مانع من الأكل بالمعروف، أما إذا لم يكن عرفا قائما في ذلك، ويخشى الصانع أن صاحب المال يؤذيه ذلك أو يغضبه، فعليه أن يبلغه ويستأذنه حتى يطمئن إلى أنه يأكل المال بطيب نفس من صاحبه.
مواقع النشر (المفضلة)