تفوق في حجمه على سائر الكائنات، وفي حركته على البواخر والغواصات، يبدو فمه كأنه حفرة عميقة أو مغارة من المغارات، يطارده الإنسان في البحار والمحيطات من أجل ملايين الدولارات، يجمع الحوت لغويا على أحوات وحيتان، ومن أسمائه النون، ويجمع على نينان وأنوان، وذو النون هو يونس بن متى عليه السلام الذي ابتلعه الحوت.
يُقال في الأمثال “الحوت ظمآن وفي البحر فمه”، ويقال أيضا: “آكل من حوت” لأنه يحمل في معدته أكثر من ألف كيلوجرام من الطعام، وصغيره أكبر مولود في الوجود يبلغ طوله مجموع أطوال أكثر من أربعة رجال.
والحوت حيوان ثديي ينتمي إلى رتبة الحيتانيات التي تضم كل أنواع الحيتان، وهى من ذوات الدم الحار على عكس الأسماك، وهى أكبر المخلوقات على وجه الكرة الأرضية السائدة أو البائدة، ويعيش في المحيطات والبحار، وقليل منها يعيش في الأنهار، ومن أنواع الحوت: الأزرق 33 مترا، والأحدب 19 مترا، وحوت العنبر 18 مترا والرمادي 14 مترا.
جلده أملس تحته طبقة سميكة من الدهون توفر له الحماية من البرد الشديد كأنها معطف أو غطاء، طرفاه الأماميان يشبهان المجداف والخلفيان غائبان، وعضو السباحة الرئيسي عنده هو الذيل الأفقي، يستنشق الهواء عدة مرات قبل أن يغوص في الأعماق، ويبقى تحت الماء من 5 إلى 15 دقيقة، وتبقى بعض الحيتان العملاقة ساعة كاملة، وعندما تخرج هواء الزفير تدفع الماء إلى أعلى على شكل نافورة يمكن رؤيتها على بعد عدة أميال.
تضع الأنثى صغيرا واحدا ترضعه مثل بقية الثدييات، والحيتان نوعان أساسيان:
الأول من دون أسنان ومنها البال، والبال الأحبل، وبال جرينلاند، والهركول، وجمل البحر، تتدلى من الفك العلوي زوائد عظمية تتكون من مادة شديدة الصلابة، تساعده على صيد طعامه الذي يتكون من الأسماك والكائنات البحرية.
والنوع الثاني له أسنان منه حوت العنبر، والعنبر القزم، والكركدن البحري والدرفيل وخنزير البحر.
والدرفيل يعيش في معظم المحيطات وبعض الأنهار في آسيا وأمريكا الجنوبية ويشبه فكه فك الدب، وهو صديق للإنسان يساعده في أحوال كثيرة إذا تعرض للأخطار في البحار ويوصله إلى بر الأمان.
هو آية كبرى من آيات الخلق، اكبر المخلوقات حجما، بغير أسنان، يتغذى على الكائنات البحرية، في أعلى فمه صفان من العظام كفرشاة أسنان ضخمة أو مشط عملاق، يستخدمهما في صيد طعامه، يملأ فمه الكبير بدفعة من الماء ويمسك بالكائنات بواسطة هذه البوابات، وعندما ينتهي منها يخرج الماء ويسحب دفعة جديدة وهكذا.
يبلغ طول مولود الحوت 8 أمتار ويصل وزنه بعد 6 شهور إلى 10 آلاف كيلوجرام وعندما يكبر يصل وزنه إلى 140 طنا.
ويستخرج العنبر من الحوت الذي يحمل هذا الاسم، وهي مادة غالية الثمن يبلغ ثمن الكيلوجرام منها 12 ألف دولار، ويطارده الصيادون في أعالي البحار من أجلها.
يستخدم العنبر في الصناعات الطبية، ويعالج الكثير من الأمراض، كما يستخدم في صناعة العطور والبخور، وقيل إنه إذا شرب مع اللبن قضى على النحافة، كما يقوي الذاكرة وينشط جميع أجزاء الجسم.
وتبذل بعض الدول والمنظمات محاولات لحمايته من القتل والصيد، وفي سنة 1937 وقعت 8 دول على اتفاقية منع قتل الحيتان لحمايته من الانقراض، وبعد ذلك وافقت دول أخرى على قتل عدد أقل من هذه الكائنات العملاقة.
وكل شيء في الحوت يستخدم في العديد من الصناعات لعمل الأشياء الثمينة والقيمة.
ورد الحوت في القرآن الكريم تصريحا في ثلاثة مواقع: الأول بمعنى الكنز الكبير في قصة يونس عليه السلام، وأيضا بمعنى السمكة في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وكذلك ورد في شأن الحديث عن أحوال بني إسرائيل، كما ذكر إجمالا ضمن نعم الله على الإنسان في البحار.
أرسل الله سبحانه وتعالى يونس عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الطريق القويم والسلوك المستقيم، وأن يعبدوا خالقهم لا يشركون به شيئا، لكنهم لم يستجيبوا لدعوته.
غضب يونس وغادر دياره إلى ديار أخرى ونسي أن دوره هو الدعوة والبلاغ، يؤمن من يشاء ويكفر من يشاء والله يفعل ما يشاء.
ركب السفينة وسقط في البحر وابتلعه الحوت وظل في جوفه فترة طويلة اختلف المفسرون في تقديرها، منهم من قال سبع ساعات ومنهم من قال 40 يوما ومنهم من حددها يوما أو عدة أيام.
أدرك ذو النون وهو في بطن الحوت خطأه وسأل الله التوبة والمغفرة وسمعت الكائنات في البحر تسبيحه، وفي هذا المكان المظلم العميق دعا ربه دعاءه الشهير، وغفر الله له وألقى به الحوت مريضا سقيما، وأنبت ربه عليه شجرة من يقطين وهو شجر له أوراق بغير ساق قيل إنها شجرة قرع، ولما استرد عافيته عاد إلى قومه ليجدهم قد آمنوا بدعوته وصدقوا رسالته.
“وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي المؤمنين” (الأنبياء 87 88).
“وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرْسَلِينَ، إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ المشحون، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ المدحَضِينَ، فَالْتَقَمَهُ الحوت وَهُوَ مُلِيمٌ، فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ المسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ، وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ، فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ” (الصافات: 139 148).
“فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الحوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ” (القلم: 48).
وحل موسى عليه السلام ومعه غلامه إلى مجمع البحرين، وهو المكان المحدد للقائه مع العبد الصالح ليتعلم منه ما آتاه الله.
نسي الغلام أن يخبره بما كان من أمر الحوت أو (السمكة) عند الصخرة فقد عادت إليها الحياة وقفزت إلى الماء وشقت طريقها بين الأمواج.
ولما اشتد الجوع بموسى طلب من الغلام إعداد الطعام فأخبره بما نسي فعاد مرة أخرى ليجد الخضر عليه السلام في انتظاره، طلب منه موسى أن يصاحبه وكان الرد أنها مهمة شاقة عسيرة وكيف يصبر على أمور لا يعرف لها تفسيرا أو تعليلا وأكد له موسى انه سيصبر على قدر استطاعته ولن يعصي له أمرا.
“قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً” (الكهف: 70).
وقعت أحداث لم يتحملها موسى وفي المرة الثالثة كان الفراق، ولكن بعد أن قدم العبد الصالح شرحا لما جرى وأخبره انه خرق السفينة لمصلحة أصحابها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا وقتل الغلام لأنه سيشب فاسقا كافرا، فأراد الله أن يبدل والديه خيرا منه، وأنه بنى الجدار من أجل طفلين يتيمين وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما رجلا صالحا، وأراد بذلك حماية الكنز من أهل القرية الظالمة.
وكان الدرس الأعظم في القصة هو الإيمان بالقدر خيره وشره، حلوه ومره “وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً” (الكهف: 82).
“فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً” (الكهف: 61).
“قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً” (الكهف: 63).
كما ورد ذكر الحوت في سورة الأعراف عند الحديث عن بني إسرائيل: “واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” (الأعراف: 163).
أمر الله عز وجل محمدا عليه الصلاة والسلام أن يسأل يهود المدينة عن القرية التي كانت حاضرة البحر (إيلة أو العقبة) أي: تطل على البحر، وسلوك أهلها الخاطئ المعوج، فحرم الله عليهم الصيد والعمل في هذا اليوم لكنهم كانوا يتحايلون ويعملون ويصطادون.
كانت الحيتان تأتي إليهم على سطح الماء في أيام السبت فإذا أمسى ذهبت ولم تأت إلا في السبت التالي، فكانوا يصيدون الحيتان أيام السبت، ويربطونها بخيوط في الماء فإذا جاء يوم الأحد أخرجوها وأكلوها.
وجاء ذكر الحوت إجمالا، لنعم الله في البحر وكائناته: “وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (النحل: 14).
“وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (فاطر: 12).
مواقع النشر (المفضلة)