مدونة نظام اون لاين

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 5 من 9

الموضوع: ذاكرة الجسد ..

  1. #1
    ... عضو نشيط ...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    60
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي ذاكرة الجسد ..

    ×××××××××××××××××××××××××



    ---------------------------------------------------------





    --------------------------------------------------------------------------------

    غرقت في ذاكرة الجسد، فتلقفتني فوضى الحواس لتغرقني من جديد في أروع ثلاثية للحب والوطن : ذاكرة الجسد - فوضى الحواس - عابر سرير و كلها للأديبة الجزائرية أحلام مستغانمي.


    هذه زاوية صغيرة، سأحاول فيها بطرح الرواية كاملة على أمل أن تترك لديكم شيئا من الفوضى الجميلة التي تترك الكثير من التساؤلات ..

    هدفي في الأخير هو مشاركتم نشوة القراءة بالرغم من أني قرأتها مرارا، ولكن الأكيد أن للقراءة معكم نشوة خاصة، فاقبلوا دعوتي!





    ------------------------------------------------------------------------------------------------

    الفصل الأول

    ما زلت اذكر قولك ذات يوم :

    "الحب هو ما حدث بيننا. والادب هو كل ما لم يحدث"

    يمكنني اليوم, بعد ما انتهى كل شيء ان اقول :

    هنيئا للادب على فجيعتنا اذن فما اكبر مساحة ما لم يحدث انها تصلح اليوم لاكثر من كتاب .

    وهنيئا للحب ايضا ...

    فما اجمل الذي حدث بيننا ... ما اجمل الذي لم يحدث... ما اجمل الذي لن يحدث .

    قبل اليوم, كنت اعتقد اننا لا يمكن ان نكتب عن حياتنا الا عندما نشفى منها .

    عندما يمكن ان نلمس جراحنا القديمه بقلم , دون ان نتالم مرة اخرى .

    عندما نقدر على النظر خلفنا دون حنين, دون جنون, ودون حقد ايضا .

    ايمكن هذا حقا ؟

    نحن لا نشفى من ذاكرتنا .

    ولهذا نحن نكتب, ولهذا نحن نرسم, ولهذا يموت بعضنا ايضا .

    - اتريد قهوه ؟

    ياتي صوت عتيقه غائبا, وكانه يطرح السؤال على شخص غيري .

    معتذرا دون اعتذار, على وجه للحزن لم اخلعه منذ ايام .

    يخذلني صوتي فجاة ...

    اجيب باشارة من راسي فقط .

    فتنسحب لتعود بعد لحظات, بصينيه قهوه نحاسيه كبيره عليها ابريق, وفناجين, وسكريه, ومرش لماء االزهر, وصحن

    للحلويات ... يتبع

  2. #2
    ... عضو نشيط ...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    60
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي

    في مدن اخرى تقدم القهوه جاهزه في فنجان, وضعت جواره مسبقا معلقه وقطعة سكر .
    ولكن قسنطينه مدينه تكره الايجاز في كل شيء .
    انها تفرد ما عندها دائما .
    تماما كما تلبس كل ما تملك. وتقول كل ما تعرف .
    ولهذا كان حتى الحزن وليمه في هذه المدينه .
    اجمع الاوراق المبعثره امامي , لاترك مكانا لفنجان القهوه وكانني افسح مكانا لك .
    بعضها مسودات قديمه, واخرى اوراق بيضاء تنتظر منذ ايام بعض الكلمات فقط... كي تدب فيها الحياة, وتتحول من ورق الى ايام .
    كلمات فقط, اجتاز بها الصمت الى الكلام, والذاكره الى النسيان, ولكن ....
    تركت السكر جانبا, وارتشفت قهوتي مره كما عودني حبك .
    فكرت في غرابه هذا الطعم العذب للقهوه المره . ولحظتها فقط, شعرت انني قادر على الكتابه عنك فاشعلت سيجارة عصبيه, ورحت اطارد دخان الكلمات التي احرقتني منذ سنوات, دون ان اطفئ حرائقها مرة فوق صفحه .
    هل الورق مطفاة للذاكره؟
    نترك فوقه كل مرة رماد سيجارة الحنين الاخيره , وبقايا الخيبه الاخيره .
    من منا يطفئ او يشعل الاخر ؟
    لا ادري ... فقبلك لم اكتب شيئا يستحق الذكر... معك فقط سابدا الكتابه
    ولا بد ان اعثر اخيرا على الكلمات التي سانكتب بها, فمن حقي ان اختار اليوم كيف انكتب. انا الذي اختر تلك القصه .
    قصه كان يمكن ان لا تكون قصتي, لو لم يضعك القدر كل مره مصادفه, عند منعطفات فصولها .
    من اين جاء هذا الارتباك؟
    وكيف تطابقت مساحة الاوراق البيضاء المستطيله, بتلك المساحه الشاسعه البياض للوحات لم ترسم بعد.... وما زالت مسنده جدار مرسم كان مرسمي ؟
    وكيف غادرتني الحروف كما غادرتني قبلها الالوان. وتحول العالم الى جهاز تلفزيون عتيق, يبث الصور بالاسود والابيض فقط ؟
    ويعرض شريطا قديما للذاكره, كما تعرض افلام السينما الصامته .
    كنت احسدهم دائما, اولئك الرسامين الذين كانوا ينتقلون بين الرسم والكتابه دون جهد, وكانهم ينتقلون من غرفه الى اخرى داخلهم. كانهم ينتقلون بين امراتين دون كلفه .
    كان لا بد ان لا اكون رجلا لامراه واحده !
    ها هوذا القلم اذن .... الاكثر بوحا والاكثر جرحا ...
    ها هو ذا الذي لا يتقن المراوغه , ولا يعرف كيف توضع الظلال على الاشياء . ولا كيف ترش الالوان على الجرح المعروض للفرحه .
    وها هي الكلمات التي حرمت منها , عاريه كما اردتها , موجعه كما اردتها , فلم رعشة الخوف تشل يدي , وتمنعني من الكتابه؟
    تراني اعيي في هذه اللحظه فقط ؟ انني استبدلت بفرشاتي سكينا وان الكتابه اليك قاتله ...... كحبك .

  3. #3
    ... عضو نشيط ...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    60
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي

    ارتشفت قهوتك المره , بمتعه هذه المره. شعرت انني على وشك ان اعثر على جمله اولى, ابدا بها هذا الكتاب .
    جمله قد تكون في تلقائية كلمات الرساله .
    كأن اقول مثلا :
    "اكتب اليك من مدينه ما زالت تشبهك, واصبحت اشبهها . ما زالت الطيور تعبر هذه الجسور على عجل , وانا اصبحت جسرا آخر معلقا هنا . لا تحبي الجسور بعد اليوم ..." .
    او شيئا اخر مثل :
    " امام فنجان قهوه ذكرتك ... كلان لا بد ان تضعي ولو مرة قطعة سكر في قهوتي . لماذا كل هذه الصينيه .. من اجل قهوه مره ..؟" .
    كان يمكن ان اقول اي شيء ...
    ففي النهايه , ليست الروايات سوى رسائل وبطاقات , نكتبها خارج المناسبات المعلنه ... لنعلن نشرتنا النفسيه, لمن يهمهم امرنا .
    ولذا اجملها , تلك التي تبدا بجمله لم يتوقعها من عايش طقسنا وطقوسنا . وربما كان يوما سببا في كل تقلباتنا الجويه .
    تتزاحم الجمل في ذهني . كل تلك التي لم تتوقعيها .
    وتمطر الذاكره فجاة .... فابتلع قهوتي على عجل . واشرع نافذتي لاهرب منك الى السماء الخريفيه .. الى الشجر والجسور والماره . الى مدينه اصبحت مدينتي مرة اخرى . بعدما اخذت لي موعدا معها لسبب آخر هذه المره .
    ها هي ذي قسنطينه ... وها هو كل شيء انت .
    وها انت تدخلين الي , من النافذه نفسها ال
    تي سبق ان دخلت منها منذ سنوات . مع صوت المآذن نفسه, وصوت الباعه, وخطى النساء الملتحفات بالسواد, والاغاني القادمه من مذياع لا يتعب ...
    "يا التفاحه .. يا التفاحه ... خبريني وعلاش الناس والعه بيك .." .
    تستوقفني هذه الاغنيه بسذاجتها .
    تضعني وجها لوجه مع الوطن . تذكرني دون مجال للشك بانني في مدينه عربيه , فتبدو السنوات التي قضيتها في باريس حلما خرافيا .
    هل التغزل بالفواكه ظاهره عربيه ؟ ام وحده التفاح الذي ما زال يحمل نكهة خظيئتنا الاولى, شهي لحد التغني به, في اكثر من بلد عربي .
    وماذا لو كنت تفاحه؟
    لا لم تكوني تفاحه .
    كنت المراه التي اغرتني باكل التفاح لا اكثر . كنت تمارسين معي فطريا لعبة حواء . ولم يكن بامكاني ان اتنكر لاكثر من رجل يسكنني , لاكون معك انت بالذات في حماقة آدم ..؟
    -اهلا سي خالد ....واش راك اليوم ..؟
    يسلم علي الجار, تسلقت نظراته طوابق حزني. وفاجاه وقوفي الصباحي, خلف شرفة الذهول .
    اتابع في نظرة غائبه, خطواته المتجهه نحو المسجد المجاور . وما يليها من خطوات, لمارة اخرين, بعضها كسلى, واخرى عجلى, متجهه جميعها نحو المكان نفسه .
    الوطن كله ذاهب للصلاة .
    والمذياع يمجد اكل التفاحه .
    واكثر من جهاز هوائي على السطوح, يقف مقابلا المآذن يرصد القنوات الاجنبيه, التي تقدم لك كل ليله على شاشة تلفزيونك, اكثر من طريقه _عصريه_ لاكل التفاح !
    اكتفي بابتلاع ريقي فقط .
    في الواقع لم اكن احب الفواكه. ولا كان امر التفاح يعنيني بالتحديد .
    كنت احبك انت . وما ذنبي ان جائني حبك في شكب خطيئه
    كيف انت ... يسالني جار ويمضي للصلاة .
    فيجيب لساني بكلمات مقتضبه . ويمضي في السؤال عنك .
    كيف انا؟
    انا ما فعلته بي سيدتي .... فكيف انت ؟
    يا امراة كساها حنيني جنونا ., واذا بها تاخذ تدريجيا , ملامح مدينه وتضاريس وطن .
    واذا بي اسكنها في غفلة من الزمن, وكانني اسكن غرف ذاكرتي المغلقه من سنين .
    كيف حالك؟
    يا شجرة توت تلبس الحداد وراثيا كل موسم .
    يا قسنطينية الاثواب ....
    يا قسنطينية الحب ... والافراح والاحزان والاحباب .. اجيبي اين تكونين الان ؟ .
    ها هي ذي قسنطينه ...
    باردة الاطراف والاقدام . محمومة الشفاه, مجنونة الاطوار .
    ها هي ذي .. كم تشبهينها اليوم ايضا ... لو تدرين !
    دعيني اغلق النافذه ! ..






    يتبع

  4. #4
    ... عضو نشيط ...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    60
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي

    كان مارسيل بانيول يقول : "تعود على اعتبار الاشياء العاديه .. اشياء يمكن ان تحدث ايضا " .
    اليس الموت في النهايه شيئا عاديا . تماما كالميلاد, والحب, والزاج, والمرض, والشيخوخه, والغربه والجنون, واشياء اخرى ؟
    فما اطول قائمة الاشياء العاديه التي نتوقعهاا فوق العاده, حتى تحدث . والتي نعتقد انها لا تحدث سوى للاخرين, وان الحياة لسبب او لاخر ستوفر علينا كثيرا منها , حتى نجد انفسنا يوما امامها .
    عندما ابحث في حياتي اليوم, اجد ان لقائي بك هو الشيء الوحيد الخارق للعاده حقا . الشيء الوحيد الذي لم اكن لاتنبا به , او اتوقع عواقبه علي . لانني كنت اجهل وقتها ان الاشياء غير العاديه, قد تجر معها ايضا كثيرا من الاشياء العاديه .
    ورغم ذلك ....
    ما زلت اتسائل بعد كل هذه السنوات, اين اضع حبك اليوم ؟
    افي خانةالاشياء العاديه التي قد تحدث لنا يوما كاية وعكه صحيه او زلة قدم .. او نوبة جنون
    ام .. اضعه حيث بدا يوما ؟
    كشيء خارق للعاده, كهديه من كوكب, لم يتوقع وجوده الفلكيون. او زلزال لم تتنبا به اية اجهزة للهزات الارضيه .
    اكنت زلة قدم .. ام زلة قدر ؟
    اقلب جريدة الصباح بحثا عن اجوبة مقنعه لحدث " عادي " غير مسار حياتي وجاء بي الى هنا .
    اتصفح تعاستنا بعد كل هذه الاعوام , فيعلق الوطن حبرا اسود بيدي .
    هناك صحف يجب ان تغسل يديك ان تصفحتها وان كان ليس للسبب نفسه في كل مره. فهنالك واحده تترك حبرها عليك ... واخرى اكثر تألقا تنقل عفونتها اليك .
    الان الجرائد تشبه دائما اصحابها , تبدو لي جرائدنا وكانها تستيقظ كل يوم مثلنا, بملامح متعبه وبوجه صباحي غسلته على عجل, ونزلت به الى الشارع. هكذا دون ان تكلف نفسها مشقة تصفيف شعرها, او وضع ربطة عنق مناسبه .. او اغرائنا بابتسامه .
    25 اكتوبر 1988 .
    عناوين كبرى,, :ثير من الحبر الاسود . كثير من الدم, وقليل من الحياء .
    هناك جرائد تبيعك نفس صور الصفحه الاولى.. ببدله جديده كل مره .
    هنالك جرائد.. تبيعك نفس الاكاذيب بطريقة اقل ذكاء كل مره ....
    وهنالك اخرى, تبيعك تذكرة للهروب من الوطن.. لا غير .
    وما دام ذلك لم يعد ممكنا, فلاغلق الجريده اذن ..ولاذهب لغسل يدي .
    اخر مره استوقفتني فيها صحيفه جزائريه, كان ذلك منذ شهرين تقريبا. عندما كنت اتصفح عن طريق المصادفه, واذ بصورتك تفاجئني على نصف صفحه باكملها , مرفقه بحوار صحافي بمناسبة صدور كتاب جديد لك .
    يومها تسمر نظري امام ذلك الاطار الذي كان يحتويك. وعبثا رحت افك رموز كلامك . كنت اقرأك متلعثما, على عجل. وكانني انا الذي كنت اتحدث اليك عني, ولست انت التي كنت تتحدثين للاخرين, عن قصة ربما لم تكن قصتنا .
    اي موعد عجيب كان موعدنا ذلك اليوم ! كيف لم اتوقع بعد تلك السنوات ان تحجزي لي موعدا على ورق بين صفحتين , في مجلة لا اقرأها عادة .














    يتبع

  5. #5
    ... عضو نشيط ...


    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    60
    معدل تقييم المستوى
    1

    افتراضي

    وقد تكون اخر طريقه وجدتها لقتلي اليوم من جديد, دون ان تتركي بصماتك على عنقي .
    يومها تذكرت حديثا قديما لنا . عندما سالتك مرة لماذا اخترت الروايه بالذات. واذا بجوابك يدهشني .
    قلت يومها بابتسامة لم ادرك نسبة الصدق فيها من نسبة التحايل : " كان لا بد ان اضع شيئا من الترتيب داخلي... واتخلص من بعض الاثاث القديم . ان اعماقنا ايضا في حاجة الى نفض كاي بيت نسكنه ولا يمكن ان ابقى نوافذي مغلقه هكذا على اكثر من جثة ..
    اننا نكتب الروايات لنقتل الابطال لا غير, وننتهي من الاشخاص الذين اصبح وجودهم عبئا على حياتنا. فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم... وامتلأنا بهواء نظيف ..." .
    واضفت بعد شيء من الصمت: " في الحقيقه كل روايه ناجحه, هي جريمه ما نرتكبها تجاه ذاكره ما . وربما تجاه شخص ما, على مرأى من الجميع بكاتم صوت. ووحده يدري ان تلك الكلمه الرصاصه كانت موجهه اليه ...
    والروايات الفاشله , ليست سوى جرائم فاشله, لا بد ان تسحب من اصحابها رخصة حمل القلم, بحجة انهم لا يحسنون استعمال الكلمات , وقد يقتلون خطأ بها اي احد .. بمن في ذلك انفسهم , بعدما يكونون قد قتلوا القراء ... ضجرا ّ" .
    كيف لم تثر نزعتك الساديه شكوكي يومها .. وكيف لم اتوقع كل جرائمك التي تلت ذلك اليوم , والت جربت فيها اسلحتك الاخرى ؟
    لم اكن اتوقع يومها انك قد توجهين يوما رصاصك نحوي .
    ولذا ضحكت لكلامك, وربما بدأ يومها انبهاري الاخر بك. فنحن لا نقاوم, في هذه الحالات , جنون الاعجاب بقاتلنا !
    ورغم ذلك ابديت لك دهشتي . قلت :
    _ كنت اعتقد ان الروايه طريقه الكاتب في ان يعيش مرة ثانيه قصه احبها ... وطريقته في منح الخلود لمن احب .
    وكان كلامي فاجأك فقلت وكأنك تكتشفين شيئا لم تحسبي له حسابا:
    - وربما كان صحيحا ايضا, فنحن في النهايه لا نقتل سوى من احببنا. ونمنحهم تعويضا عن ذلك خلودا أدبيا . انها صفقه عادله . اليس كذلك ؟

    عادله ؟
    من يناقش الطغاة في عدلهم او ظلمهم؟ ومن يناقش نيرون يوم احرق روما حبا لها, وعشقا لشهوة اللهب . وانت , اما كنت مثله امراه تحترف العشق والحرائق بالتساوي ؟
    اكنت لحظتها تتنبأئين القريبه, وتواسينني مسبقا على فجيعتي...
    ام كنت تتلاعبين بالكلمات كعادتك ,وو وتتفرجين على وقعها علي, وتسعدين سرا باندهاشي الدائم امامك, وانبهاري بقدرتك المذهله, في خلق لغة على قياس تناقضك .
    كل الاحتمالات كانت ممكنه ...
    فربما كنت انا ضحيه روايتك هذه, والجثه التي حكمت عليها بالخلود, وقررت ان تحنطيها بالكلمات... كالعاده .وربما كنت ضحية وهمي فقط, ومراوغتك التي تشبه الصدق. فوحدك تعرفين في النهايه الجواب على كل تلك الاسئله التي ظلت تطاردني, بعناد الذي يبحث عن الحقيقه دون جدوى .
    متى كتبت ذلك الكتاب؟
    أقبل زواجك ام بعده؟ اقبل رحيل زياد .. ام بعده؟ اكتبته عني .. ام كتبته عنه؟ اكتبته لتقتليني به.. ام لتحييه هو ؟ لم لتنتهي منا معا؟ وتقتلينا معا بكتاب واحد... كما تركتنا معا من اجل رجل واحد ؟
    عندما قرأت ذلك الخبر منذ شهرين,. لم اتوقع اطلاقا ان تعودي فجاة بذلك الحضور الملح, ليصبح كتابك محور تفكيري, ودائره مغلقه ادور فيها وحدي .
    فلا كان ممكنا يومها بعد كل الذي حدث, ان اذهب للبحث عنه في المكتبات , لاشستري قصتي من بائع مقابل ورقه نقديه . ولا كان ممكنا ايضا ان اتجاهله واواصل حياتي وكانني لم اسمع به , وكأن امره لا يعنيني تماما .
    الم اكن متحرقا الى قراءة بقية القصه؟
    قصتك التي انتهت في غفلة مني , دون ان اعرف فصولها الاخيره. تلك التي كنت شاهدها الغائب, بعدما كنت شاهدها الاول. انا الذي كنت,. حسب قانون الحماقات نفسه. الشاهد والشهيد دائما في قصة لم يكن فيها من مكان سوى لبطل واحد .
    ها هوذا كتابك امامي.. لم يعد بامكاني اليوم ان أقرأه. فتركته هنا على طاولتي مغلقا كلغز, يتربص بي كقنبله موقوته, استعين بحضوره الصامت لتفجير منجم الكلمات داخلي ... واستفزاز الذاكره .
    كل شيء فيه يستفزني اليوم .. عنوانه الذي اخترته بمراوغه واضحه.. وابتسامتك التي تتجاهل حزني . ونظرتك المحايده التي تعاملني وكانني قارء, لا يعرف الكثير عنك .
    كل شيء.. حتى اسمك .
    وربما كان اسمك الاكثر استفزازا لي, فهو مازال يقفز الى الذاكره قبل ان تقفز حروفه المميزه الى العين .
    اسمك الذي .. لا يقرأ وانما يسمع كموسيقى تعزف على آلة واحده, من اجل مستمع واحد
    كيف لي ان اقراه بحياد, وهو فصل من قصة مدهشه كتبتها الصدفه, وكتبها قدرنا الذي تقاطع يوما ؟
    يقول تعليق على ظهلا كتابك انه حدث ادبي .
    واقول وانا اضع عليه حزمة من الاوراق التي سودتها في لحظة هذيان " حان لك ان تكتب.. او تصمت الى الابد ايها الرجل . فما اعجب ما يحدث هذه الايام !"
    وفجاة يحسم البرد الموقف, ويزحف ليل قسنطينه نحوي من نافذة للوحشه. فاعيد للقلم غطاءه, وانزلق بدوري تحت غطاء الوحده .
    مذ ادركت ان لكل مدينه الليل الذي تستحق, الليل الذي يشبهها والذي وحده يفضحها, ويعري في العتمة ما تخفيه في النهار, قررت ان اتحاشى النظر ليلا من هذه النافذه .
    كل المدن تمارس التعري ليلا دون علمها, وتفضح للغرباء اسرارها , حتى عندما لا تقول شيئا .
    وحتى عندما توصد ابوابها.
    ولان المدن كالنساء, يحدث لبعضهن ان يجعلننا نستعجل قدوم الصباح ولكن ...
    "soirs, soirs.que de soirs pour un seul matin .."
    كيف تذكرت هذا البيت للشاعر " هنري ميشو" ورحت اردده على نفسي باكثر من لغة ..
    "امسيات .. امسيات كم من مسلء لصباح واحد "
    كيف تذكرته, ومتى تراني حفظته؟ .. تراني كنت اتوقع منذ سنين امسيات بائسه كهذه, لن يكون لها سوى صباح واحد ؟
    انقب بعض الشيء في ذاكرتي عن القصيده التي اخذ منها هذا البيت, واذا بعنوانها " الشيخوخه " ...
    فيخيفني اكتشافي فجاة وكاني اكتشق معه ملامح وجهي الجديده . فهل تزحف الشيخوخه هكذا نحونا حقا بليل طويل واحد . وبعتمه داخليه تجعلنا نتمهل في كل شيء, ونسير ببطء, دون اتجاه محدد؟
    ليكون الملل والضياع والرتابه جزءا من مواصفات الشيخوخه ام من مواصفات هذه المدينه ؟
    تراني انا الذي ادخل الشخوخه .. ام ترى الوطن باكمله هو الذي يدخل اليوم سن الياس الجماعي ؟
    اليس هو الذي يملك هذه القدره الخارقه , على جعلنا نكبر ونهرم في بضعة اشهر, واحيانا في بضعة اسابيع فقط ؟
    قبل اليوم لم اكن اشعر بثقل السنين, كان حبك شبابي, وكان مرسمي طاقتي الشمسيه التي لا تنضب, وكانت باريس مدينه انيقه, يخجل الواحد ان يهمل مظهره في حضرتها . ولكنهم طاردوني حتى مربع غربتي, واطفاوا شعلة جنوني ... وجاؤوا بي حتى هنا .

المواضيع المتشابهه

  1. بلا ذاكرة
    بواسطة 2tah في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-09-2009, 06:30 AM
  2. ذاكرة فلاش على شكل قلب من سواروفسكي
    بواسطة غسق في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 03-01-2008, 08:34 PM
  3. هل حقا صحيح أن ذاكرة المراة أقوى من ذاكرة الرجل ؟
    بواسطة بنت فلسطين في المنتدى الارشيف
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 14-08-2006, 02:28 PM
  4. ذاكرة من الزمن
    بواسطة السنفورة في المنتدى قصائد وخواطر
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 15-02-2006, 02:31 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •