لأننا نحبهم بجد نمشي على حد التماس بين الممكن والخيال. بين ما نريد وما يجب. بين نقطة الحب وفرضية الفراق. الخيارات الصعبة تجعلنا للحظة أقوياء لأننا على الأقل امتلكنا حرية الاختيار. نغادرهم ليس لأننا تشبعنا بالمشاعر, او تقلصت الأحاسيس, بل هو القرار الذي يستوعب مرارة اللحظة الآنية، وتفادي المرارات المقبلة.
لأننا نحبهم بجد نعلم أن اللحظات معهم غالية, والزمن يعطي بسخاء أحيانا, ولكنه يتحين الفرص. نكبح عالما من المشاعر يغني في داخلنا, وقصائد تتمنى أن تلقى, وقصصا تتلهف أن تروى. نكون غير أنفسنا ولو للحظات. صوت غير صوتي ونبض ليس لي يقول مالا أرغب ويغادر.
هكذا بصعوبة اللحظة وصرامتها.
لأننا نحبهم بجد نجعل أنفسنا القساة, نرسم صورة مكبرة للأنا. نلغي الإنسان من داخلنا, نكون في الطرف الآخر من ذاتنا, بكل الضريبة التي تجلبها تلك الصورة, بكل المرارة التي تجعلنا نقشعرّ من حدتها, نختار ان نمشي عكس الأماني والرغبات, عكس الهوى والإحساس.
لأننا نحبهم بجد نتجاهل الذاكرة وصورها, أفراحها ووهجها, تفاصليها ودفئها. نفصل أنفسنا عن الماضي, أو نسلخ جزءا من ذاتنا, نجعل الفكرة للآتي, ومواجهة اللحظة. نخاف من سطوة الكلمات القابعة في قاع الذاكرة, نتحاشى رنينها, نلجم المشاعر المتناثرة من العين والشفاه والنسمات, ونكون ما نكون إلا أن نكون أنفسنا.
لأننا نحبهم بجد نخفي معالم الوجه ومخارج الحروف, نتمسك بعبارات معدة ومحفوظة, نلتزم بالنص مهما كان فراغه وجموده. نحتفل بالهزيمة, فأحيانا تكون أقسى درجات الشجاعة، الهروب من المعركة.
لأننا نحبهم بجد نمشي كل الخيارات الصعبة التي تجعل المسافات أبعد, والكلمات أقل وأصعب. نختار الرحيل. ونعلم أنه ربما يكون رحيلا عن أنفسنا وتعذيبا لداخلنا, لكنها المسارات, التي تدخلها مبكرا بخياراتك, قبل ان تحشرك في مسالكها, وتنتهي بك بنفس المصير. لكن مع خروج أصعب, وإصابات أقوى, وخسائر أكثر.
لأننا نحبهم بجد نختصر عليهم الطريق, ونتحمل التهم الظالمة والصورة القاتمة, نلبس القناع الرديء من أجل ان يكونوا هم الأنقى والأجمل. نرحل وتغادرنا اللحظات الجميلة, والصدق الشفاف, والأحاسيس الحانية. نصمت بقساوة.. ونغادر.
مواقع النشر (المفضلة)