خلق الله عزَّ وجلَّ البشر مختلفين في الألوان والألسن والهيئات والطباع، فسبحان الله أحسن الخالقين.
وسأتحدث هنا عن اختلاف الناس في شيئين بينهما ارتباط وثيق، وهما (الهيئة)؛ وأعني بها الوزن تحديداً، و(الروح) أي النفْس.
فهناك بشر يتصفون بالبنية الضخمة والوزن الثقيل، أي بإيجاز (سِمان)، وهناك الضد لهؤلاء وهم ذوو الأجسام النحيلة، فهل ثقل الجسم أو خفته سبب كاف لقبول أحد وعدم قبول آخر؟
فقد مرَّ على الكثير منا أصدقاء وجيران وزملاء وأقارب عُرفوا بأنهم سِمان ولكنهم مع أوزانهم الثقيلة، ومعاناتهم منها، ومعاناتهم من نظرات وهمزات وهمسات المحيطين بهم، إلا أنهم تميزوا بأنفُس (أرواح) خفيفة كخفة القطن المتطاير في يوم عاصف!
فتراهم عندما يُطلب منهم شيء ما، فإنهم يبادرون إلى تنفيذ ماطُلب منهم، وتجد أغلب كلماتهم بدون مبالغة: أبشر، وآمر، وغيرها من كلمات الإيجاب المؤدبة والتي تدل على المبادرة. وعندما يوجدون في مجلس فإنهم غالباً ما يبثون روح المرح والدعابة فيه، بل إن الابتسامة لا تفارق محيّاهم، حتى في حالة ممازحتهم حول هيئاتهم، فما أجمل هذه الأنفُس السمحة اللطيفة الخفيفة!
فالحق كل الحق أن كثيراً من هؤلاء يُغبطون على خفة أرواحهم وأريحيتهم، التي غطّت على ثقل الأجسام، وكانت سبباً وجيهاً لقبولهم من الآخرين.
وننتقل إلى (الضفة الأخرى) من أصناف الناس من حيث الهيئة والطباع، وهم الذين وصلت بهم خفة الأجساد إلى أن أُطلق على البعض منهم صفات وألقاب مثل: المسواك، والجرادة، مبالغة في نحول الجسم وخفة الوزن! فما حال بعض هؤلاء من حيث الروح؟
إن بعضهم (نسأل الله العافية) قد تُبتلى به في مكان ما، ومع اتساع هذا المكان، إلا أن حاملة الطائرات التي أمامك أو الجبل الأصم قد جعله ضيقاً، وكتم أنفاسك، وجعلك تردد بعض ألفاظ العزاء بلا شعور، بل قد تبكي كمداً وألما من ضيق أفُقه، وثقل نفْسه.
ولاأكذبكم حديثاً إن قلت لكم إني قد ابتُليت بأحدهم يوماً فكدت أرفع يدي إلى السماء، واستعضت عنها برفع عينَي ودعوت ربي عزَّ وجلَّ أن يخلصني من جبل الجليد الجاثم في مجلسي، وأن يبعده عني ويبعدني عنه بعد المشرق عن المغرب، وأن يخلف علي بجليس (لا يدخل مع الباب) من طوله وعرضه ووزنه، ولكنه يدخل الفؤاد عن طريق أنفاسي!!
لا عجب من عدم قبول الكثير منا (لثقال الأنفُس) وإن كانوا أصحاب أناقة ورشاقة، وإن ادّعوا اللباقة، فالروح هي الروح لا تتغير، والقبول للروح وليس للجسم، وصدق من قال:
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
وقد صوّر أحد الشعراء هذه الفكرة، وأوجزها بقصة قصيرة، فماذا قال؟
سقط الثقيل من السفينة في الدجى
فبكى عليه رفاقه وترحموا
حتى إذا طلع الصباح أتت به
نحو السفينة موجة تتقدمُ
قالت خذوه كما أتاني سالماً
لم ابتلعه لأنه لا يُهضمُ!
وقال آخر في ثقيل ابتلي به:
أنت في الصيف سموم
وجليد في الشتاء
أنت في الأرض ثقيل
وثقيل في السماء
في الختام: عزيزي ثقيل الجسم خفيف الروح:
لا تحزن ولا تقلق، فأنت محبوب من الناس ومقبول من الرأس إلى الساس.
مواقع النشر (المفضلة)