إن المتأمل في حالنا مع كتاب ربنا يجد الفرق الشاسع والبون الواسع بين ما نحن فيه وما يجب أن نكون عليه من إهمال ولا مبالاة للقرآن حفظاً وتلاوة، وبعد عن تطبيق ما فيه، ومَن تمعن جيداً وتابع الكثير من المسلمين يجد أنهم بعيدون كل البعد عن كتاب الله، فلا اهتمام ولا رعاية ولا إحساس بقيمة هذا الكتاب العظيم الذي فيه خيرا الدنيا والآخرة، وما تأخرت أمتنا وتقهقرت للوراء وفقدت هويتها إلا بسبب بعدها عن كتاب ربها، وإلا كيف يوجد بيننا هذا الكتاب ولا نهتم به ونطلب النصر والتمكين في الأرض ونحن نعصي ربنا بترك كتابه بإهمال تلاوته وحفظه قولاً وعملاً؟ وإن المرء ليصيبه الحزن ويتحسر على حال هذه الأمة وأبنائها عندما يستمع لقراءة الكثير من المسلمين للقرآن الكريم فيجد الضعف الشديد في ذلك جهلاً منه بالقراءة، لا لأنه لا يستطيع غير ذلك، ولو كان الأمر كذلك لعذرناه، ولكن لأنه لم يسْعَ صادقاً في النية مخلصاً لتعلم تلاوته وحفظه، خاصة أن الله يسر القرآن للذكر، ولكن أين المدّكر الذي يحب القرآن ويتمنى القدرة على إتقانه تلاوة وحفظاً بإخلاص؟! والمصيبة العظمى التي يندى لها الجبين أن هذا الإهمال والضعف يوجد بين أوساط الكثير من شباب المسلمين وللأسف الشديد، وكم جلس البعض يستمع لمن بجانبه وهو يقرأ ويحرف في القراءة جهلاً وظناً منه بأن تلاوته صحيحة، ولسان حال المستمع خاصة من هو متعلم للقراءة، ومتقن لها يقول: ليته يسكت ولا يكمل تلاوته، فلماذا نحن مهملون لكتاب ربنا تلاوة وحفظاً رغم أن الوسائل التي تعين على تعلمه كثيرة وميسرة ولله الحمد؟ خاصة في بلاد الحرمين التي وفقها الله بولاة أمر، جزاهم الله خير الجزاء، يحبون كتاب الله ويخدمونه بكل ما أوتوا من قوة ليلا ونهاراً، ويبذلون الغالي والنفيس من أجل أن يتعلم أبناء المسلمين كتاب الله، وما جمعيات تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة في شتى البلاد التي تدرس كتاب الله المدعومة مادياً ومعنوياً من دولتنا - حفظها الله - وبقية المؤسسات الخيرية التي تعنى بتعليم كتاب الله إلا دليل على اهتمام الدولة - حفظها الله - بالقرآن الكريم وأهله حرصاً منها على تقديم كل ما يكون فيه العلو والرفعة للأمة الإسلامية التي عزتها وكرامتها ورفعتها في اهتمام أهلها بكتاب الله؟ ويزداد عجب المرء عندما يرى الكثير من أهل العلم والأدباء والمفكرين والمثقفين والخطباء وأئمة المساجد من أبناء المسلمين وغيرهم وغيرهم في هذا الزمان يسعون للحصول على أعلى الشهادات والرتب والمكانة في شتى المجالات بينما كتاب الله لا يجيدون تلاوته، ولا يحفظون منه إلا القليل، مخالفين بذلك منهج الصحابة والسلف الصالح أولئك الذين بدأوا حياتهم بتعلم القرآن الكريم قبل العلوم الأخرى، وهو المنهج السليم الذي خالفناه ولم نعمل به، وكل المسلمين لا يعذرون رجالاً ونساء صغاراً وكباراً في تقصيرهم تجاه كتاب الله، طالما أن الوسائل التي تعين على ذلك ميسرة ولله الحمد، إذ لا عذر لمسلم خاصة في هذه البلاد المباركة التي تشرفت حكومتها بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بخدمة هذا الكتاب العظيم، وتشجيع المسلمين على تعلمه وتعليمه، فهل ندرك جميعاً خطر ما نحن فيه وما وقعنا فيه من ترك كتاب الله وراءنا ظهرياً مهملين لتعلمه وتعليمه، فنتوب ونعود إلى ربنا بالتمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينطبق علينا قوله تبارك وتعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (30)سورة الفرقان. فيحق علينا قول ربنا فيحل بنا العذاب بسبب ذلك؟
مواقع النشر (المفضلة)