التستر بالدين ظاهرة دخيلة خطيرة، ظهرت في مجتمعنا الطاهر، حيث وجد أن بعض ضعاف الإيمان وأصحاب الأهواء يجعلون الدين ستاراً لهم من أجل الوصول إلى بعض أهدافهم. ويستعملونه أداة لتحقيق بعض مقاصدهم، وهم في الحقيقة من أبعد الناس عنه، ولكنهم لم يجدوا وسيلة غيره يكسبون من خلالها ثقة من حولهم. ومن ذلك على سبيل المثال: الزواج، فإذا أراد أحدهم الزواج من فتاة صالحة متدينة، تزيا بزي الدين، ولبس لباس الصالحين ثم تقدم لخطبتها، فإذا تحقق مطلوبه، وتمكن من مرغوبة، عاد إلى أصله، وانكشف زيفه وبانت حقيقته. عندها تكون النتائج سيئة، فلا يتخلص منه، ولا ينفك عنه إلا في أروقة المحاكم وبين يدي القضاة، إما خلعاً أو فسخاً. وكذلك بعض المتسترين بالدين، إذا أراد أخذ أموالنا، وقضاء حاجاته على حسابنا، أتى بأنه الوفي الأمين، التقي الورع، الذي يخشى الله والدار الآخرة. فإذا حصل على ما يريد صار الوفي مماطلاً، والأمين خائناً، والورع سليطاً. بل حتى أهل الأهواء، وأرباب التحزب، والجماعات الضالة، ودعاة الفتنة بستار الدين أخذوا بعض أبنائنا، واعتدوا على شرعنا، وعصوا ولاة أمرنا، وكسبوا ود بعض سفهائنا.
إنها بحق ظاهرة خطيرة، وقد ساعد على وجودها وانتشارها حبنا لديننا ولمن دعا إليه وأظهر الغيرة عليه، وهو أمر يعتبر منقبة نحمد عليها، ولكن لا ينبغي أن يكون حبنا لديننا وسيلة للضحك على أذقاننا، وأداة لذر الرماد في أعيننا. نحن نحب الدين، ونعظم كل أمر من شأنه خدمته، وعلى استعداد أن نضحي بأنفسنا من أجله، ولكن لا للتستر به، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لست بالخبء ولا الخبء يخدعني. بل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين).
إن التستر بالدين، ظاهرة قديمة حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر عن صنف من الذين يتسترون بالدين، ولكنهم يخرجون منه كما يخرج السهم من الرمية، يقول صلى الله عليه وسلم: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).
إن من المتسترين بالدين- ويجب الحذر منهم والتحذير عنهم، ووجودهم يشكل خطراً عظيماً على العقيدة والأخلاق- بعض الرقاة الموجودين في مجتمعات المسلمين، الذين ساءت مقاصدهم، ولم يجدوا إلا الدين، وسيلة للوصول إلى رغباتهم وطموحاتهم، مستغلين حب الناس لدينهم وحاجتهم لشفاء أمراضهم، فطفقوا يصطادون في الماء العكر، محققين بعض ما يصبون إليه، ما بين هتك للأعراض، وجمع للأموال باسم الرقية الشرعية، وتحت مظلة العلاج.
إن العاقل من الناس، لا ينطلي عليه دجل الدجالين، فهناك فرق شاسع بين الرقية الشرعية وغيرها من الرقى الشركية والشهوانية. وليس هناك علاقة للرقية الشرعية بسؤال المريض عن اسم أمه، أو بالتحسس على جسده، أو بكشف عورته، أو بالخلوة به إن كان امرأة.
مواقع النشر (المفضلة)