الأخــــــــــلاق روح الإســـــــــلام
قال الله تعالى في كتابه العزيز "ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما".
الاسلام دين فضيلة وتعاليمه دائماً تدعو الى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والابتعاد عن المحارم. وقد حرص نبينا محمد من خلال القرآن الكريم الذي هو كلام الله على التزام الفضائل، وترك الرذائل، والحض على الاخلاق ومكارمها، والتعبير عنها ينبغي ان يكون متناسقا ومتجانسا مع معانيها، كأن تقول ايها المؤمن ما يختلج في قلبك وما هو حقيقة في نفسك، وأن تكون صريحاً وواضحاً وجلياً فيما تظهر وتبطن، شفافاً في معاملاتك، تحكمك الاخلاق الاسلامية، اخلاق رسول الله والائمة الاطهار الذين يشكلون مدرسة راقية وسامية ومتميزة في عناوينها ومضامينها. التي هي بالتأكيد قواعد ومرتكزات لهذا الدين، ولهذه العقيدة، التي تختزن صفوة المكارم وصفوة الاخلاق.
فالاخلاق في الاسلام ليست جزءا من الدين الاسلامي، بل هي روحه ومرتكزه وانطلاقته، ولهذا ورد في القرآن الكريم "وانك لعلى خلق عظيم" و"لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، والله سبحانه وتعالى حينما يخاطب رسوله وحبيبه ومصطفاه ويصفه بأنه على خلق عظيم، لأن الخلق العظيم يستميل النفوس ويورث المحبة، ويزيد في المودة، ويهدي الى الفعل الحسن، وهو ملازم للتقوى، ودافع اليها، وفي هذا اكتمال الايمان. رسول الله: "ان اكمل الناس ايمانا احسنهم خلقا، وما يوضح في ميزان امرىء يوم القيامة افضل من حسن الخلق".
فحسن الخلق، يصلح القلوب ويطهر النفوس، ويجذبها الى البر والانصاف، ويعزّز فيها صلة الارحام، ويدفعها الى اصلاح ذات البين، الذي هو افضل من عامة الصلاة والصوم (يعني الصلاة المستحبة)، ويجعلها تخاف الله، لأن "اعلى الناس منزلة يوم القيامة اخوفهم منه". والخوف من الله سجن النفس عن الذنوب، ورادعها عن المعاصي، وهذا ما يدعو اليه الاسلام، وما حرص عليه رسول الله، وامرنا ان نلتزم به، ونسير على هديه ونهتدي بمناراته، حتى نكون فعلا من اتباع الاسلام بحق ومن الساعين الى لقاء الباري عز وعلا، بنفوس مطمئنة وقلوب ذاكرة وعقول متفكرة، واخلاق حسنة، عن الامام علي قال: "لو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى نارا ولا ثوابا ولا عقابا لكان ينبغي لنا ان نطال بمكارم الاخلاق فانها مما تدل على سبل النجاح.
اذن، كل واحد منا بأخلاقه، كل اسرة من اسرنا بأخلاقها، المجتمعات بأخلاقها، الامم كلها بأخلاقها، الايمان بالاخلاق، يقول رسول الله: "انما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق"، فكان قدوة ونموذجا، كان عبدا حقيقيا لله، محبا لأخوانه، حاضرا معهم، متعاونا ناصحا، مرشدا، عاملا بما يرضي الله، أحب في الله وأبغض في الله.
سأل رسول الله بعض اصحابه قائلا: "اي الاعمال افضل؟ قال بعضهم: "الصلاة" قال: "ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما هي بالصلاة" قالوا: "الزكاة" قال: "ان الزكاة تمحيص ما هي بالزكاة" قالوا: "الحج" قال إن الحج كفارة وما هو بالحد". قالوا: "الجهاد" قال: "إن الجهاد جنة، وما هو بالجهاد" قالوا: "الله ورسوله أعلم"، قال: "الحب في الله والبغض في الله".
نعم الحب في الله والبغض في الله، هو ذروة الاخلاق. وثروة المكارم. وذروة الصفات والميزات التي جلّها الاسلام، وقدّرها، وحضّ عليها، وهذا ما يجب أن نركّز عليه، وندعو اليه لنكون جميعاً من أصحاب السيَر الحسنة، والاخلاق الحميدة، متأسين برسول الله عندما خاطب أمير المؤمنين قائلاً له: "يا علي ألا اخبرك بأشبهكم بي خُلُقاً؟"، قال: "بلى يا رسول الله" قال: "أحسنكم خلقاً، وأعظمكم حلماً، وابرّكم بقرابته، وأشدكم من نفسه إنصافاً".
نعم رسول الله يخبرنا من خلال أمير المؤمنين علي كي يمكن أن نكون شبهاً له في أخلاقه ويحدد لنا صفات التشابه، وهو الذي أرسل للبشرية جمعاء، على اختلاف أجناسها وألوانها ولغاتها وأزمانها الى قيام يوم الساعة "وما أرسلناك الاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً..."، "وما أرسلناك الاّ رحمة للعالمين"، "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين". من هنا يمكن القول بأن الاسلام يقوم على ثلاث حقائق:
أولاً: انه خاتم الاديان السماوية فلا دين بعده أبداً.
ثانياً: أن الاسلام جاء للبشرية جمعاء، لكل الاجيال التي تتوالى، ولكل الازمان التي تتجدد.
ثالثاً: ان الدين الاسلامي يشتمل على جميع الشؤون والامور والاحتياجات الانسانية التي فيها صلاح البشرية وانتظامها في كل الامور الدنيوية وتطوراتها ومستجداتها، وكذلك في كل الامور الأخروية وعوالمها. ورسول الله جاء بالدعوة الى توحيد الله وطاعته التي تتمثل في كل ما نقوم به، سواء من أجل الدنيا، أم من أجل الآخرة؛ جاء ليعلّمنا، جاء ليربينا تربية الاسلام، جاء لينقذنا من الضلال المبين، لينزع من صدورنا الغلّ والاحقاد، ليحرّرنا من العصبيات والقبليات، جاء ليقول لنا "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود الا بالتقوى".
فالاسلام دعوة لتزكية الأنفس، دعوة الى الاصلاح، إصلاح الدولة، إصلاح المجتمع، إصلاح الفرد، دعوة الى الاخلاق وإتمام مكارمها التي نفتقدها بكل أسف، ونعاني نضبتها، الامر الذي حوّل حياتنا الى فوضى عارمة، واسقطنا في اضطراب مخيف ومجلجل، ومكّن كل الذين يريدون لنا ان نبقى في دوامة اللاإستقرار واللاأمان من أن يحرضوا ويحركوا ويدبروا كل الفتن والنزاعات والخلافات ومدّهم بالقدرة على تظهير الفوارق مهما كانت صغيرة وهامشية، لجعلها ادوات تفرقة وتنابذ وعدم تعارف وتآلف بين شعوب كانت ارضها مهبطاً للوحي وموئلاً للرسالات ومصدراً لقيم وتعاليم أخرجت الناس من الظلمات الى النور، ومن الضلالة الى الهدى، وأغنت الانسان بكل المفاهيم والمضامين التي تؤسس لانسانية قائمة وموجودة تمارس بكل معانيها وليس لانسانية وهمية نسمع بها ولا نجدها، ونقرأ عنها ولا نتفاعل معها، فالانسان كي يصلح، بحاجة الى نفس مطيعة لرشدها، منتهية عن غيها. فالنفس اذا أطاعت صاحبها تملكها واذا عصته تملكته ولم يملكها. ومن لم يملك نفسه فلا يمكن أن يملك غيرها، ومن عصته نفسه كان بمعصية غيرها أولى، لذلك قيل "لا ينبغي للعاقل أن يطلب طاعة غيره ونفسه ممتنعة عليه".
هدانا الله الى امتلاك أنفسنا ولعدم اتباع أهوائنا التي هي للخير صادة وللعقل مضادة، لعل في ذلك ما يجمع شملنا ويوحد صفوفنا وينصرنا على القوم الظالمين.
مواقع النشر (المفضلة)