قامت فنون الزخرفة الإسلامية على ثلاثة عناصر أساسية: “الخطوط العربية، والتكوينات الهندسية، والأشكال النباتية”.. واختلفت مدارسها في التفاصيل والجوانب الشكلية تبعا للظروف المحلية والمؤثرات الحضارية، لكنها اتفقت في المعنى واتحدت في الجوهر، لأنها تشرب من نهر واحد دائم الجريان، عذب الفيضان.
والإحساس بالجمال فطرة في الإنسان يولد معه ويلازمه على مدار الأيام والأعوام في أفراحه وأتراحه وفي حله وترحاله، وجميع أحواله، لكنه في حاجة إلى ضوابط تحمي حركته من الشطط والانحراف.
ويمكن التأريخ لفن الزخرفة في عمارة المساجد بما قام به الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه بزيادة مساحة المسجد النبوي وبناء جدرانه وأعمدته بالحجارة المنقوشة.
وابتكرت العمارة الإسلامية الخزف الذي يعطي بريقا معدنيا يتم تلوينه بعد حرقه بالأكاسيد المعدنية بألوانها المختلفة “الذهبية والفضية والخضراء وغيرها” وبدأ استخدامها عند إنشاء المدن الجديدة خاصة في سامراء في العراق.
كما تمت زخرفة المحاريب بخامات صلصالية وجصية وخشبية وخزفية وزجاجية مع استخدام الألوان التي تحاكي الطبيعة والبحر والسماء.
تأثرت فنون الزخرفة الإسلامية بالعناصر الزخرفية في الحضارات المجاورة خاصة الحضارتين الفارسية والبيزنطية وغيرهما من الحضارات المحلية في الأقطار التي فتحها المسلمون وامتدت من الهند وحدود الصين شرقا إلى ساحل المحيط الأطلنطي غربا.
وبقدر ابتكار الفنانين المسلمين في النحت والتصوير بقدر نبوغهم في فنون الزخرفة الخطية والهندسية والنباتية.
كتابة المصحف
بدأت الزخرفة الإسلامية بكتابة المصحف الشريف والتجويد في إعداده بصور وأحجام وخطوط مختلفة، ثم زخرفة صفحاته وأغلفته الخارجية، وانتقلت بعد ذلك إلى عمارة المساجد ومنها إلى المدارس والمستشفيات والمنازل والقصور، وعلى امتداد العالم الإسلامي لا تخلو المساجد من لوحات الخط العربي التي تحمل آيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة تزين جدرانها ومنابرها ومحاريبها وقبابها وأبوابها.
وجاء معظم اللوحات بالخط الكوفي، وقد تبارى الخطاطون في كتابتها وزخرفة أرضياتها.
وجاءت لوحات تحمل لفظ الجلالة “الله” واسم النبي الكريم “محمد” صلى الله عليه وسلم في تشكيلات رائعة تسر الناظرين.
وفي سنة (888ه) أرسل السلطان الأشرف قايتباي مصحفا كبيرا حمله جمل من القاهرة إلى المدينة المنورة مع المواد التي أرسلت لعمارة المسجد النبوي، وكان هذا المصحف في حجمه وزخرفته من عجائب زمانه، كتبه الخطاط شاهين النوري أشهر خطاطي عصره ومات قبل أن يكمله وأتمه الشيخ خطاب الخطاط.
وفي جامع “بايزيد” في مدينة اسطنبول التركية مجموعة رائعة من اللوحات والزخارف الخطية للآيات القرآنية وهو من أشهر مساجد العالم الإسلامي وقد بناه “بايزيد الثاني” “ابن محمد الفاتح” وهو من أشهر سلاطين العثمانيين (1482-1512م) وكان ورعا تقيا، بنى الجوامع والمدارس والمستشفيات.
وعند تجديد الأمير عبد الرحمن كتخدا لمشهد السيدة نفيسة (الجامع والضريح) في القاهرة “1173ه” نقشوا على باب الضريح بماء الذهب على لوحة رخامية أبياتا شعرية يقول أحدها:
عرش الحقائق مهبط الأسرار
قبر النفيسة بنت ذي الأنوار
وتعد الأشكال الهندسية من أبرز سمات الفن الإسلامي بأطباقها النجمية، وأشكالها ذات الأضلاع المختلفة المربعة والمستطيلة والمثلثة والدائرية.. بل إن النزعة الهندسية غلبت على اللوحات الخطية والزخارف النباتية، وجاءت في تكوينات ذات أضلاع متداخلة ومتجاورة، منفصلة ومتصلة، وفي كل الأحوال جاءت هذه الأشكال الهندسية آية في الرقة والإبداع والإتقان.
ومن روائع الأشكال الهندسية في الزخرفة الإسلامية تكوينات مربع القبة في المشهد الحسيني في القاهرة وهي من الرخام الرقيق المطعم بفسيفساء الصدف، كما غطت محيطها من الداخل رسوم هندسية غاية في التناسق والجمال وترجع إلى القرن الثامن الهجري.
وبدا الفنان المسلم في استخدامه للأشكال الهندسية والزخارف النباتية كأنه صاحبها أو مبتكرها رغم أنها ظهرت في جميع الحضارات السابقة واللاحقة وبعد أن طورها توسع فيها وأضاف إليها، لكنه انفرد بلوحات الخط العربي، التي تحولت على يديه إلى فن كبير جذب انتباه الفنانين والباحثين في جميع بقاع العالم.
الأشكال النباتية
برع الفنانون المسلمون في استخدام الأشكال النباتية بأوراقها وأغصانها وزهورها وثمارها وظهرت على جدران المساجد وقبابها ومآذنها ومحاربها ومنابرها وأبوابها ونوافذها وأسقفها وأرضياتها وانتقلت منها إلى المنازل والقصور والمستشفيات والمدارس والأسبلة والحانات والوكالات وتفاوت استخدامها في مدارس الزخرفة الإسلامية المختلفة وكانت أكثر انتشارا في إيران والهند.
ويحمل الجامع الأموي في دمشق مجموعة كبيرة من الزخارف النباتية تمتد بطول 30 مترا وعرض 7 أمتار على جدران مدخل الجامع، رسمت بالفسيفساء عبارة (شيده الخليفة الوليد بن عبد الملك 69-88ه).
ظهرت الزخارف الإسلامية أيضا على الصناعات التقليدية والأواني الفخارية والخزفية والمنتجات المعدنية والخشبية وأثاث المنازل، كما ظهرت على المنسوجات والسجاد والقناديل التي تضيء المساجد والمنازل. وعلى مدار العصور المختلفة قدم الفن الإسلامي ثروة زخرفية رائعة وهائلة تفوق ما قدمته سائر الحضارات في تكوينات رائعة تعكس الدقة والمهارة والإتقان مقترنة بعمق الإيمان، وزخارف جامع محمد علي في القلعة في القاهرة خير مثال على ذلك وقد بدأ العمل في إنشائه 1246 ه (1830م) واستمر حتى وفاته سنة 1848م.
بعد عدة قرون من ظهور الإسلام وانتشاره ظهرت بعض الرسوم للكائنات الحية “الطيور والحيوان والإنسان” على أغلفة الكتب والمخطوطات لتوضيح محتواها. منها “عجائب المخلوقات” للقزويني، و”حياة الحيوان” للدميري، و”نهاية الأرب في فنون الأدب” للنويري، و”كليلة ودمنة” لابن المقفع، و”الأغاني” لأبي فرج الأصفهاني، و”ملحمة الشاهنامة” للفردوسي، و”رباعيات الخيام” لعمر الخيام و”مقامات الحريري” لقاسم بن علي الحريري.
وعرفت هذه الأشكال والرسوم باسم المنمنمات الإسلامية واقتصرت فقط على الكتب والمخطوطات الأدبية والعلمية لكنها وقفت دائما خارج أبواب المساجد واستبعدت من فنون عمارتها الداخلية والخارجية.
مدارس الزخرفة
ويقسم الخبراء والنقاد فن الزخرفة الإسلامية إلى مجموعة من المدارس، تختلف في بعض التفاصيل الشكلية ولكنها تتفق في الأصول والمعنى والجوهر، وهو العقيدة الإسلامية التي أشعلت المواهب وأنارت العقول والقلوب وجذبت النفوس.
المدرستان المصرية والشامية متقاربتان متكاملتان في كثير من التفاصيل بحكم الجوار والتواصل المستمر. ومن خصائصهما البساطة والوضوح والجمال والجلال والاعتدال.
واهتمت المدرسة الفارسية بالزخارف النباتية والمنمنمات الزخرفية والألوان الزاهية والخطوط القوية.
بينما اهتمت المدرسة الأندلسية (الأندلس وشمال إفريقيا) بالقصور والحصون إلى جانب المساجد ومن أمثلتها قصر الأمير محمد علي في جزيرة الروضة في القاهرة.
أما المدرسة العثمانية فتمثل الوسط الحسابي لهذه المدارس بعد أن جمعت الدولة العثمانية العمالة الفنية من سائر الأقطار الإسلامية وحملتها إلى عاصمتها.
وتوسعت المدرسة الهندية في استخدام العناصر النباتية بأوراقها وأغصانها وأزهارها وثمارها وألوانها وتأثرت بالمدرسة الفارسية والفنون الآسيوية.
ملأ الفنان المسلم مساحات كبيرة في المساجد بالزخارف المختلفة حتى أنه اتهم من بعض نقاد الغرب بكراهية الفراغ. وابتعد عن التجسيد والتجسيم كما هو الحال في العمارة الإفريقية والرومانية وغيرهما ليبتعد عن محاكاة الكائنات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ولذلك جاءت الزخرفة الإسلامية خطية ومسطحة.
ويأتي التكرار علامة ثالثة للزخرفة الإسلامية فهو الوسيلة المناسبة لشغل الفراغ على المساحات الكبيرة، والمدهش أنه تكرار محبب لا تمله العين، أو تضيق به النفس، بل تستريح له وتطمئن إليه وتمضي معه تتأمل روعة خطوطه العربية وأشكاله الهندسية وعناصره النباتية.
مواقع النشر (المفضلة)