الصداقة مفهوم اجتماعي جميل يمنح الإنسان إحساسا بالمشاركة ودفء المشاعر، وهي مفهوم تترجم من خلاله الكثير من المعاني النبيلة والمواقف الآسرة التي تظل عالقة في أذهان وقلوب من يدركون للوفاء موقفا وللصداقة معنى.
وعلى الرغم من تشعب العلاقات الاجتماعية وكثرتها إلا أنها تخضع لمجموعة من الشروط التي يحددها كل منا وفقا لطبيعته وتكوينه إضافة إلى تكوينات الآخرين، ذلك انه نظرا لتفاوت واختلاف النفوس فإن الالتقاء بين القلوب ليس بالأمر الهين على الإطلاق .
وعلاقة الصداقة التي تربط بين الناس لا تأتي من فراغ وليست وليدة الصدفة ولكنها تمر بمجموعة من المواقف والأفعال وردود الأفعال التي توضح في نهاية الأمر طبيعة ومدى عمق العلاقة وما إذا كانت ستصمد أمام المحكات العملية، فكثيرا ممن تتصورهم في بادئ الأمر أصدقاء وتندمج معهم في الأخذ والرد تفاجأ بهم في المواقف التي تحتاج إلى البرهان وقد تخلوا عن مروءتهم وتقاعسوا في أداء واجب الصداقة كما ينبغي .
وعلى الجانب الآخر قد تجد أصدقاء يرفعون لواء الإخلاص دوما عنوانا لصداقتهم يبادرونك بالود ويحرصون على التواصل فتجدهم في السراء والضراء، وهم يفعلون ذلك بحب نابع من إحساس حقيقي بضرورة المشاركة من دون كلل أو تعب، فمشاعرهم هي فقط التي تقودهم من دون أن يعرفوا حسابات المصلحة مع أصدقائهم، ولا يسمحون لكلمة المنفعة أن تكتب في دفتر أحوال صداقاتهم.
الصديق الوفي يكاد يكون عملة نادرة وهو كنز لا تعثر عليه بسهولة ومن بين العشرات بل قل المئات ممن تعرفهم وتربطك بهم علاقات لا تستطيع أن تطلق لفظ الصديق الحق إلا على عدد قد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة على أقصى تقدير، وهؤلاء فقط هم من تثق بهم وتسر اليهم بهمومك الشخصية فلا يخونون هذه الثقة ويحفظون سرك كما لو كان سرهم، لا يحاولون تحت اي ظرف أن يتاجروا بهذه المعلومات حتى يحققوا مصلحة ما.
الصديق المخلص هو خير معين لصديقه وبه يهون على الإنسان كثير من متاعب الحياة، فقد يكون وجود صديق تبثه همومك وتبوح له بمشكلاتك هو أعظم شيء تتمناه في لحظات معينة، وذلك لان “الفضفضة” في المواقف التي يتعرض فيها الإنسان للضغوط تعيد إليه توازنه النفسي بل وتخفف جزءاً من هذه الضغوط خاصة إذا وجد الإنسان من يرتاح إليه ويثق به.
في بعض العلاقات قد يتوهم أطرافها إنهم حقا أصدقاء ولكن حقيقة الأمر تنكشف إذا انتفت المصلحة القائمة بينهم، فنجد تباعدا وفتورا وقد يكون احد الأطراف مخدوعا لا يعرف أن ما يحرك الآخر هو المنفعة فقط، وقد يكون الطرفان على علم بأن ما يحكم تقاربهما علاقة المصلحة ليس إلا ..ومثل هذه العلاقات يمكن أن يطلق عليها أي مصطلح آخر، لأن قاموس الصداقة الحقيقية وببساطة لا يتضمن أياً من مفرداتها.
وللصداقة قانون متعارف عليه يحتم على أطرافها حزمة من الواجبات ويمنحهم الكثير من الحقوق وبحسب الانضواء تحت مظلة هذا القانون تختلف وتتدرج مراتب الأصدقاء، فالصديق هو من يهب لمساعدة صديقه ويشاركه الضراء والسراء ويصدق النصيحة ويخلص في الود والمعاملة، وعلى النقيض فان صفة الصديق تنتفي عن كل من تحكم العوامل المادية واللااخلاقية علاقته بصديقه.
ولأن التأثير يكون في الغالب متبادلا بين الأصدقاء مهما حاول كل طرف أن يحافظ على سلوكياته الخاصة، فيجب أن يتوخى الإنسان الحذر قبل أن يصادق شخصا ما من دون أن تمر العلاقة باختبارات تثبت صدقها.. وهو المعنى الذي أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله “الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل”.
الصداقة كنز وثروة حقيقية تمس أوتار القلوب وتهب لنا إخوة لم تلدهم أمهاتنا..فلنحفظ عن ظهر قلب معانيها النبيلة وأهدافها السامية.
مواقع النشر (المفضلة)