غالباً ما يرتبط الحج بطفولة كثير منا الحميمية، حيث عاصر جيلنا خاصة الكثير من مظاهر الاحتفال بالحج بل وعاداته المميزة بل وشاركنا فيها بحماسة لا تنسى.
فرغم كل التسهيلات الكبرى التي أصبحت تقدم للحاج فلا يواجهه إلا مشقة مكابدة نفسه إلا أن للحج قديما وهجه الخاص.. فكلنا تنقلنا في الأتوبيسات الكبيرة وشاركنا الأمهات في اعداد المعمول ونمنا وملابس الحج البيضاء بالقرب من رؤوسنا واستيقظنا باكرا يوم الرحلة فترتدي الصبايا الزي الأبيض ونلتحف بالمسافع ويرتدي الصبيان الأردية غير المخيطة ويتحزمون بالكمر ثم بالأحزمة الجلدية بعد ذلك ويحيط الأطفال بأسرهم كأرانب برية تقفز فرحا للمشاركة في الحج.
وكلنا انتظرنا زنبيل الحج هدية الأمهات والعمات والخالات تتصدره القلادة والليمونية وكسر الحلوى الوردية التي كانت تعني لنا الكثير. انها ذكريات الحج التي يبهجني أن استعرض بعضا منها كجزء من دراسة متكاملة عن تقاليد الحج وعاداته.
ولابد لي أن أوضح سبب تركيزي على الجانب النسوي في عادات الحج واستعداداته لكوني خبرتها بنفسي جيدا ولكونها الجزء الأول من دراستي وسوف أكون ممتنة جدا لمن يضيف لمعلوماتي المزيد فهو تاريخنا الذي لابد أن يسجل وإلا ضاع في غياهب الزمن.
وسوف ابدأ باستعراض تقاليد الحج وعاداته التي كانت سائدة في مدينة جدة ولابد لي من ذكر ان لكل منطقة بل ولكل مدينة خصوصيتها رغم تشابه بعض العناصر بين مدن المنطقة الواحدة.
وأود في هذا المجال أن أذكر بأن لتقاليد الحج طابعا جماعيا لسيادة نظام الأسر الممتدة قديما، حيث تعيش الأسرة مع أبنائها المتزوجين وأسرهم مع العمات أو الخالات والجدات في منزل واحد، لذا يشارك الجميع في أي عمل أو عادة أو موقف. ولعل أول استعدادات الحج التي تأخذها نساء الأسر في جدة ما يسمى (بقجة الحج) فعندما يستقر العزم على أداء الفريضة تعمد الأم أو سواها من سيدات المنزل قبيل دخول وقت الحج بفترة إلى خياطة أثواب الحج لها ولبناتها وبقية نساء الأسرة الذين سيؤدين الفريضة، ونادرا ما توكل تلك المهمة لإحدى المتخصصات لاتقان معظم السيدات في مدن الحجاز للخياطة. وتتكون ثياب الحج النسائية من أثواب فضفاضة وأردية من قماش (البفتة) البيضاء ثم استعيض عنها بأخرى فيما بعد يسمى (تترون).
أما أغطية الرأس أو المسافع فتعد للحاجات جميعا الصغيرات قبل الكبيرات حيث تغطي المرأة شعرها بكوفية من القماش الشاش ثم تضع عليها المسفع حاجبة رأسها ونحرها ليكتمل حجابها الشرعي بعد ذلك كما تعد كذلك ثياب الرجال والأطفال من الأقمشة القطنية في شكل ازارات غير مخيطة تضيف لها الكمر الجلدي الذي يشتريه الأب له ولأولاده كما تحضر كذلك ملابس أيام التشريق بمنى (العيد) بعد التحلل من الإحرام لكل أفراد أسرتها وتخزن كل ذلك في بقجة كبيرة تسمى (بقشة الحج).
وقد توفرت ثياب الحج في كل مكان وانتفت الحاجة لصنعها وسكنت البقجة الحلم غياهب التاريخ شاهدة على أزمنة جميلة.
مواقع النشر (المفضلة)