جاءت رسالة الدين الاسلامي لتحقق العدالة والمساواة بين البشر كافة، وتوحد ليس فقط بين أهدافهم ولكن بين قلوبهم أيضا، وقد جعل الله سبحانه وتعالى التقوى وحدها الأساس في علو مكانة المسلم عند ربه من عدمه، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أوصى المسلمين ببعضهم بعضاً بل انه شبه العلاقة بينهم بعلاقة الأخوة التي لا تضاهيها أية علاقة في متانة أواصرها وعمق مشاعرها. عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”.
الأخوة في الإسلام تفرض على جميع أعضاء أي مجتمع مسلم مجموعة من الحقوق والواجبات، فالمسلم إذا ما كانت له حقوق فعلى إخوته المسلمين أن يراعوها، وهو بالمثل يلتزم تجاههم بمجموعة من الواجبات التي إذا ما حاد عنها يكون قد خرج عن النهج الصحيح، يقول تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الحج: 32).
العلاقة بين الناس يقويها التراحم والتعاطف والتواد وهي جميعها سلوكيات يقوم على أساسها بنيان أي مجتمع سليم وبها يستمر، أما إذا سادت القيم العكسية، وهي موجودة بالفعل، فإن المجتمع سيفقد ترابطه وتسود فيه روح الفردية والأنانية، وهاتان الصفتان الذميمتان تشكلان معول هدم للبنيان المرصوص، جاء عن أبي موسى رضي الله عنه في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه”.
إغاثة الملهوف وعون المحتاج ومساعدة الفقير والعطف على المساكين وعيادة المريض ورد السلام والسير في الجنازة.. كلها أمور يأمرنا بها ديننا الاسلامي. فمن حق المسلم على أخيه أن يفعل هذا إذا ما ابتغى مرضاة ربه، بل إن كل سلوك من هذا القبيل يثاب عليه، حتى ولو كان مجرد تبسم المرء في وجه أخيه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس”.
هناك أناس يعتمدون مبدأ الأخوة والسماحة في تعاملهم مع من يرتبطون معهم بعلاقات قرابة أو صداقة أو زمالة عمل أو جوار، وهؤلاء تجدهم يراعون الله دوما في سلوكياتهم، وهم دوما يحتسبون ما يفعلونه عند الله ولا ينتظرون رد الجميل من احد، ولأنهم جبلوا على حب الخير وفعله فإن علاقاتهم حتى مع من لا يعرفونهم تتسم بالشهامة، وهي صفة تنبئ للوهلة الأولى عن معدن صاحبها.
مثل هؤلاء تجدهم دوما في عون الآخرين، يمدون يد المساعدة لكل محتاج ويتعاطفون مع الناس ويشعرون بآلامهم، ويحاولون قدر استطاعتهم تلبية الحاجات حتى لو كان ذلك على حسابهم، تحركهم في ذلك رغبة فطرية دائمة في العطاء والبذل، وهؤلاء يصدق فيهم قوله عز وجل “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” (الحشر: 9).
سلوكيات الخير تحفظ للمجتمع توازنه وترابطه ولولاها لما استمر، فهي صمام الأمان وأصل البقاء، ومن هنا كانت أهمية الالتفات الى هذه النقطة الحيوية ومحاولة الحفاظ على توازنها المطلوب، لاسيما ان ما نشهده في وقتنا الحالي من تراجع لعنصر الترابط بين الناس في مجتمعاتنا ينبئ بكثير من المخاطر لو استمر الحال على ما هو عليه.
لقد لعبت الحياة العصرية دوراً سلبياً للغاية ووقفت حائلا دون تنامي العلاقات القائمة على الود، وأصبحت المصلحة هي العنصر الأكثر تغليبا في علاقات الناس، وبالطبع فإن المصلحة تعكس حبا للذات لا يتفق بدوره مع أي قيم جمعية.
مواقع النشر (المفضلة)