لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن قال له: اتق دعوة المظلوم، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب'، رواه البخاري ومسلم.
فقد أرشده صلوات الله وسلامه عليه إلى بعض القواعد المهمة لدعوة الناس الى الحق الذي جاء به، وكان مما جاء في ارشاده: التحذير من دعوة المظلوم، لأن دعوته لا ترد، فالطريق أمام دعوته مفتوح غير موصد، لا يصدها صاد، ولا يمنعها مانع.
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: 'ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن: دعوة المظلوم..' رواه ابن ماجة، وليس شرطا ان يكون المظلوم مؤمنا، فدعوة الكافر المظلوم تصعد الى الله تعالى، لان كفره على نفسه كما جاء في رواية: 'دعوة المظلوم وان كان كافرا ليس دونها حجاب'.
وفي الحديث اشارة الى بيان دعوة المظلوم عند الله تعالى، لاسيما وانه تكفل بنصرته كما جاء في الحديث: 'اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لانصرنك ولو بعد حين'، والتاريخ مليء بصفحات امم سادت ثم بادت، وما أطاح عروشها إلا دعوات المظلومين والمعذبين، هذا فرعون تمادى في طغيانه، وتجبر في ملكه، فأذاق بني إسرائيل صنوف العذاب، وقتل ابناءهم واستحيا نساءهم، فما كان من موسى - عليه السلام - الا ان اوضح لقومه سبيل النصر على العدو، فقال لهم: 'استعينوا بالله واصبروا'، فأمرهم باللجوء إلى الله تبارك وتعالى، ولم يكتف بالقول، بل أتبعه بالفعل كي يقتدي به قومه، فرفع اكف الضراعة الى الله تعالى، واجتهد في الدعاء على فرعون وأعوانه، كما قال تعالى: 'وقال موسى ربنا إنك أتيت فرعون وملأه زينة واموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على اموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم'، فأجاب الله دعاءه، فما كان جزاء فرعون؟ أغرقه الله هو وجنوده في اليم، وما نفعه ملكه ولا جبروته، هذا جزاؤه في الدنيا، أما في الآخرة فليس له إلا النار، قال تعالى: 'النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم القيامة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب'.
والظلم من الصفات الدنيئة والاخلاق الرذيلة، ولهذا نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عنه، فقال: 'إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون'، بل وحرمه تعالى على نفسه، كما في الحديث القدسي: 'يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محمرما فلا تظالموا'، ثم إن الظلم من أعظم البلايا التي ابتليت بها البشرية، وهو شقاء على الفرد والمجتمع معا، وما من مصيبة تقع على مستوى الافراد والشعوب الا وكان الظلم سببها، وقد قرر القرآن الكريم هذه الحقيقة وبين ان سبب هلاك القرى والامم ظلم اهلها، قال الله تعالى: 'وما كنا مهلكي القرى إلا واهلها ظالمون'، وقال أيضا: 'وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون'.
وكان من سنن الله الكونية خذلان الدولة الظالمة وان كانت مسلمة، ونصر الدولة العادلة وان كانت كافرة فالعدل والحق هما الاساس الذي قامت عليهما السموات والارض، يقول الله عز وجل: 'ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى'.
والمتدبر لكتاب الله تعالى وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - يجد نصوصا كثيرة قد ذمت الظلم وأهله وحذرت العباد منه، وقد ذكر الله تعالى الظلم في اكثر من مائتين وأربعين موضعا، محذرا منه بأساليب مختلفة واشتقاقات متنوعة، فتارة بتنزيه الله تعالى نفسه عن هذه الصفة، قال تعالى: 'وما ربك بظلام للعبيد'، وتارة بالأمر بالعدل مع الناس كلهم حتى مع غير المسلمين، قال عز وجل: 'إن الله يأمر بالعدل والإحسان وايتاء ذي القربى'، وقال: 'ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى'، وأحيانا يأتي ذم الظلم بذم أهله مقرونا بمقت الله لهم، كقوله تعالى: 'وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما'، ووصف سبحانه ما دون الشرك من المعاصي بالظلم فقال سبحانه: 'قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين'.
وقد ورد الكثير من الاحاديث الشريفة التي تنفر من هذا الخلق الذميم، فعن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: 'اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة'، والحياة لا تستقيم من دون عدل، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: '.. وأعوذ بك أن أظلم وأن أظلم'.
مواقع النشر (المفضلة)