عندما تطلق بصرك في هذا الكون وعجائب الله في خلقه تجد أن ربنا سبحانه أبدع في خلقه وفطر المخلوقات على العمل والجد في الطلب وعلى الاتساق مع نظام وحركة الكون الدائبة، فالنحلة استلهمت وحي ربها واتخذت من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، وعندما يضيء الصباح تتناغم مع هذا الإشراق وهذا الجمال فتضفي على الجمال جمالاً بتنقلها بين البساتين والحقول وجني رحيق الأزهار.. لكن توقف معي قليلاً.. ولاحظ مجموعات النحل وأسرابها وهي تقطع وترمي ذكور النحل خارج الخلية، لماذا؟ لأنهم توقفوا عن العمل وأخلوا بالحركة وخالفوا الفطرة وأصبحوا عبئا على حياة النحل ومملكتهم المنتظمة.. وكذلك النمل وسائر المخلوقات.. الكل في عمل ودأب يريد أن يحقق الهدف من خلقه {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.. بينما هذا الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى واستخلفه في أرضه نجده يجهل أبجديات خلقه ولم يتناغم مع سير الحياة وحركة الكون المنسجمة فلم ينفع نفسه ويجلب رزقه بل ولم يحقق الهدف السامي من خلقه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ}.
عجيب أمر هذا الإنسان أبدع ربنا في صنعه وأحسن في تصويره وكرمه على سائر المخلوقات بل أسجد له الملائكة.. ومع ذلك تجد معظم الناس ينحرف عن الطريق ويتخاذل ويصبح عبئا على أهله ومجتمعه بل حجر عثرة يعرقل حياة الناس وحركتهم الجادة في بناء أنفسهم والرقي بأمتهم فلا يحقق لا دنيا ولا آخرة. كم يؤلمني منظر شاب صحيح سليم في أوج قوته ويمتلك مخزونا هائلا من الطاقة ومع ذلك يعكس هذه الطاقة على نفسه فيبدأ يعبث بنفسه وشكله حتى يتحول إلى جسم غريب وأحيانا مخيف وإن شئت فقل من كوكب آخر.. لكن قد يأتي من يقول إن هذا يا أخي نموذج من التمدن والتحضر، فالعالم أصبح قرية واحدة، وهذا الشاب أخذ من سكان القرية المتمدنين ما يليق به.. فنجيبه بأننا أمة أعزنا الله بهذا الدين وعلمنا ربنا كيف نعيش وكيف نأكل وكيف نشرب وكيف نلبس وكيف نحيا حياة هانئة، فلسنا بحاجة إلى أحد يعلمنا منهج حياتنا، وهذا الشاب لم يقع بصره إلا على سلبيات القوم وقشورهم، فلو أن تمدنه اقتصر على النواحي الإيجابية عند القوم لكنا معه وشجعناه ولم ننقم عليه. أو منظر شاب آخر قد فرغ طاقته وقضى على شبابه في تغسيل وتلميع سيارته فجل وقته يقضى بين مغاسل السيارات لا ليكتفي بتغسيل الشكل الخارجي فقط بل تطور الأمر إلى تغسيل وتلميع محركات السيارة السفلية. وآخر قد ترك المدرسة وتوقف عن العمل وتصور أن هذا هو قدره وقسمته من الدنيا، ففضل اليد الدنيا على العليا وبدأ رحلة التسول، وعندما تنظر إلى بنيته وصحته تجد أنه سليم معافى ومع ذلك يتسول.. لماذا أيها الشاب الكريم؟ فيجيبك يا أخي لم أجد وظيفة. سبحان الله، وهل الأرزاق حصرت على الوظيفة؟! لو أصبحنا كلنا موظفين لما باع أحد ولما اشترى ولاختل توازن الحياة.
هذه بعض من المشاهد الشبابية المؤلمة التي قد يطول بنا المقام وقد يتضايق منا المكان لو أتينا عليها كلها.. لكن لعلي أملأ المساحة المتبقية من مقالي بالآتي:
لقد كرمنا ربنا وأبدع في صنعنا واختزن فينا طاقات ومواهب وأنعم علينا بنعمة كبيرة هي نعمة العقل وأمرنا بالعمل والجد والانتشار في الأرض وسخر لنا كل ما في هذا الكون، ولو استثمرنا وقتنا وجاهدنا أنفسنا وحاسبناها وراجعناها ونظرنا في أخلاقنا وسلوكياتنا وقومناها وأيضا وهو الأهم لو سيطرنا على تفكيرنا وبدأنا بأنفسنا وانشغلنا بعيوبنا عن عيوب الآخرين وأصبحنا المسؤولين عنها فلم نجعل الأحداث والظروف والآخرين مشجبا نعلق عليه تقاعسنا وفشلنا لأرضينا ربنا وحققنا الهدف من خلقنا وعشنا حياة سعيدة هانئة.
سطور أخيرة:
الذي يأكل يسمن جسمه ويتوسع بدنه وقد يفني عمره في مراجعات بين عيادات الأسنان والضغط والسكر، بينما الذي يقرأ ينمي عقله ويتوسع فكره ويقضي عمره في إبداع وابتكار وسياحة بين الكتب وعقول الرجال.
مواقع النشر (المفضلة)