اتفق جمهور الفقهاء على أن ما وصل من الأطعمة والأشربة إلى مخرج حرف الحاء من الفم وهو الحلقوم، فإنه لا يفطر الصائم إذا تخلص منه قبل وصوله إلى أبعد من ذلك، وذلك للأحاديث الدالة على جواز المضمضة التي لم يبالغ صاحبها فيها، واتفق الفقهاء على أن ما وصل إلى الجوف مفطر، على خلاف بينهم في المقصود من الجوف، فالحنفية يرون أنه المعدة ونحوُها مما يوجد في تجويف البطن، كما اعتبروا أن الداخل إلى الحلق مفطر، لكونه منفذاً إلى الجوف، ويرى المالكية أن الجوف هو كل البطن وليس المعدة فقط، ويرون فطر الصائم بما وصل إلى حلقه وإن لم ينزل منه إلى بطنه شيء، واختلفوا في الدماغ، أما باقي المنافذ فلابد من وصول الداخل منها إلى الجوف، ومذهبُ الشافعية أن الجوف يشمل كل مجوف كباطن الإذن وداخلِ الرأس، وإن لم يصل الداخل منها إلى المعدة، بل إنهم يرون أن الصائم يفطر إذا وصل الداخل إلى الحلق، ومعنى هذا أنهم لا يشترطون أن يكون الجوف محيلاً للغذاء، ومذهب الحنابلة أن ما وصل إلى جوف البدن أو الدماغ مفطر، ومن ثم فإن الفقهاء في حقيقة الجوف الذي يفطر ما وصل إليه قسمان: الذين يرون فطر الصائم بما لا يصل إلى الجوف: كالدماغ ونحوه، بناءً على وصوله إلى تجويف البطن، مع أن علم التشريح أثبت أنه لا علاقة لهذه المنافذ بذلك، والذين يرون أنها جوف بحد ذاتها، ولو لم يصل ما يدخل منها إلى التجويف البطني، وكذلك الذين يرون أن التجويف البطني ليس هو المعدة، وقد دلت النصوص على أن المفطر هو الأطعمة والأشربة، وهذه إنما تدخل إلى المعدة ولا ينتفع الجسم بها إلا إذا دخلت إليها، ولذا فإن الأقرب إلى الحق أن الجوف يقصد به المعدة، وأن المفطر ما وصل إليها دون غيرها من تجاويف البدن، يضاف إلى هذا أن الأمعاء هي المكان الذي يمتص فيه الغذاء، فإذا وضع فيها ما يصلح للامتصاص سواء كان غذاء أو ماء فهو مفطر، لأن هذا في معنى الأكل والشرب كما لا يخفى، ومن الأشياء التي اختلف فيها العلماء المعاصرون بخّاخ الربو، وبخاخ الربو هو عُلبة بها دواء سائل يحتوي على مواد كيميائية ومستحضرات طبية وماء وأوكسجين، ويتم استعماله بأخذ شهيق عميق مع الضغط على البخاخ في الوقت نفسه، وعندئذ يتطاير الرذاذ ويدخل عن طريق الفم إلى البُلعوم، ومنه إلى الرغامي فالقصباتِ الهوائية، ولكن يبقى جزء منه في البُلعوم، وقد تدخل كمية قليلة جداً إلى المريء، وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكمه: فيرى فريق منهم أن بخاخ الربو لا يفطر، لأن حدوده الرئتان، ومهمتَه توسيعُ الشعبِ الهوائية، والداخلَ منه إلى المريء ومن ثم إلى المعدة قليل جداً، فلا يفطر الصائم قياساً على المتبقي من المضمضة والاستنشاق، وإن كان لا يقطع بدخول شيء منه إلى المعدة، والأصل هو صحةُ الصيام وعدمُ فساده ما لم يعرض له ما يفسده، واستعمال بخاخ الربو حال الصيام لا يقطع بتفطيره للصائم، فيستصحب حال ما قبل استعماله إلى ما بعده، لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يرد المغير، ولأن الصائم يتيقن أنه أمسك عن المفطرات خلال نهار رمضان، والشك واقع في فساد صيامه بسبب استعماله بخاخ الربو، واليقين لا يزول بالشك، ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشهوته من أجلي”، وهذا البخاخ ليس طعاما ولا شرابا ولا يشبههما ولا هو في معناهما، فلا يكون سببا في إفساد صوم من استعمله، ولأن بخاخ الربو يتبخر ولا يصل إلى المعدة، وإنما يصل إلى القصبات الهوائية، وقد ذكر الأطباء أن السواك يحتوي على ثمانية مواد كيميائية، تقي الأسنان واللثَة من الأمراض، وهي تنحل باللعاب وتدخل البُلعوم، وقد جاء في صحيح البخاري عن عامر بن ربيعة قال: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك وهو صائم ما لا أحصي”، فإذا عُفي عن المواد التي تدخل إلى المعدة من استعمال السواك؛ لكونها قليلةً وغيرَ مقصودة، فكذلك ما يدخل من بخاخ الربو يُعفى عنه للسبب نفسه، ويرى بعض العلماء المعاصرين أن بخاخ الربو يفطر، ولا يجوز تناوله في رمضان إلا عند حاجة المريض إليه، فإذا استعمله أفطر وقضى ذلك اليوم، لأن محتوى البخاخ يصل إلى المعدة عن طريق الفم فهو مفطر، إلا أن الراجح هو أن بخاخ الربو لا يفطر، لما سبق ذكره.
مواقع النشر (المفضلة)