الخطبة الأولى / شبكة المعلومات
نحمده سبحانه ونُثني عليه الخير كله ، نشكره ولا نكفره ، ونخلع ونترُكُ من يفجره ، إياه نعبد ، وله نصلي ونسجد ، وإليه نسعى ونحفِد ، نرجو رحمته ونخشى عذابه ، إن عذابه الجِدَّ بالكفار ملحق ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بعثه الله رحمة للعالمين ، بين يدي الساعةِ بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، أولئك هم المفلحون ، صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، إن الله لعلي حكيم ، أما بعد : فاتقوا الله معاشر المسلمين ، اتقوا الله حق تقاته ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
فمعاشر المسلمين: لقد خلق الله الأسباب ورتب عليها المسببات،وسخر تلك الأسباب وسهل الوصول إليها وهدى الناس بفطرهم وبتمييز عقولهم ومداركهم إلى النظر في تلك الأسباب والبحث في أسرارها مما جعل ابن آدم بما وهب الله له من نظر وتمييز يتوصل إلى نتائج عظيمة في صالح حياته ومعاشه؛ فكم نسمع من حين إلى آخر من توصل بعض البشر إلى حقائق علمية هائلة يعقبها مخترعات تخدم البشرية جمعاء وتختصر عليهم أوقاتهم وتوفر لهم كثيراً من جهودهم البدنية والمالية والذهنية ففي مجال النقل مثلا طائرات وسيارات وسفن وقطارات بل بلغ الأمر منهم في السعي منهم إلى الوصول إلى الكواكب الأخرى. وفي عالم الاتصالات ونقل الصوت والصورة بلغ الأمر ذروته، وما تلك الأجهزة المتنوعة كيفا وكما وأداء إلا شواهد صدق على ذلك. وقل مثل هذا في جميع مجالات الحياة كوسائل السلامة وما يتعلق بالطب واللباس وكماليات الحياة إلا دلائل صدق على عظيم حكمة الله تعالى وتدبيره.
معاشر المسلمين: ومن أعظم الأمور اكتشافاً في مجال الاتصال والمعلومات بل قد ذلك الأمر عصباً لأكثرها أو جميعها ما يسمى بشبكة المعلومات أو بالشبكة العنكبوتية؛ تلك الشبكة التي يقف المرء متعجباً بل مذهولاً من عجيب أمرها وواسع محيط خزائن معلوماتها، ولقد أحسن من وصفها بأنها نافذة على العالم كله، فلا تريد أن ترى شيئاً إلا رأيته ولا تريد أن تقرأ شيئاً إلا قرأته ولا تريد أن تسمع شيئاً إلا سمعته، وهذا في غالب الأمر أو كثير منه.
معاشر المسلمين: وهنا وقفة عقدية تربط بشأن هذه الشبكة، فيقال: إذا كانت تلك الشبكة مما تحار فيها العقول من عجيب واسع علمها ودقة تنظيمها وسرعة استحضار معلوماتها من شتى أقطار المعمورة فإن ذلك كله معاشر المسلمين داخل تحت قوله تعالى:"وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" "وفوق كل ذي علم عليم"، فسبحان الله العليم ما أعظم شأنه، سبحان الله العظيم ما أعظم علمه، سبحان الله العظيم ما أعز سلطانه "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه".
معاشر المسلمين: وإن من أعظم منافع ومصالح وفوائد هذه الشبكة المعلوماتية أنها من أعظم الوسائل في نشر الإسلام وإيصاله إلى كل مكان، ولقد قام كثير من أهل العلم والديانة الصحيحة ببذل جهود عظيمة في إنشاء كثير من المواقع لنشر كثير من أحكام الإسلام وتعاليمه وآدابه، بل وبتوفيق من الله تعالى نشأت مواقع مخصصة للثلة المقدمة من علماء الشريعة في هذا العصر كشيخ الإسلام ابن باز وفقيه الإسلام ابن عثيمين ومحدث الإسلام الألباني جعل الله الفردوس الأعلى مثوانا ومثواهم؛ فأصبح بإمكان كل من دخل هذه الشبكة أن يحصل على كثير من المعلومات العقدية والفقهية والحديثية فضلاً عن السلوكية والآداب المتنوعة، بل متى ما أراد سماع ذلك أو قراءته أو نسخه تيسر له ذلك، وزد على ما سبق من العلم ما توفره هذه الشبكة من التلاوات المتنوعة للقرآن الكريم وما يتعلق بتفسيره ومفرداته وحكمه وأحكامه فضلاً عن ما يتعلق بلغة العرب ومفرداتها وأسرارها، وبالجملة فلقد وظفت هذه الشبكة لخدمة الإسلام بصورة باهرة فأوصلت الإسلام وكثيراً من تعاليمه إلى كل بيت في المعمورة، ولعل تلك الشبكة تدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم:"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر" فمهما حاول أعداء الإسلام من صد انتشار الإسلام فإن هذه الشبكة تدخل الإسلام قعر كل بيت، فلعلها تكون داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق، وهذا من باب الظن لا الجزم فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
معاشر المسلمين: ولما كانت تلك الشبكة الهائلة مشاعة لكل من أراد الدخول إليها والمشاركة فيها كان لأهل الفساد والإفساد نصيب من ذلك، وكان أهل الكفر والفجور ممن سارع إلى تخصيص مواقع فاضحة تتضمن الفحش والخنا بجميع أشكاله صوتاً وصورة وكتابة، وقد سعى أولئك جاهدين إلى الإكثار من تلك المواقع إمعاناً في نشر الرذيلة والفساد، وإن من الخزي والعار أن يكون أكثر رواد تلك المواقع من بلا د الإسلام حسب بعض الاستقراءات العددية.
معاشر المسلمين: وقد بلغ الحال ببعض الناس أنه تعلق بتلك الشبكة تعلقاً تاماً وملكت عليه نفسه ووقته حتى بلغ الأمر بهم إلى حد الإدمان والانقطاع الكامل في مقابلة تلك الشبكة والتنقل بين مواقعها فأصبح أسيراً لها لا يستطيع الانفكاك عنها ولا التخلص من براثنها، مما أثر على أدائهم الوظيفي والمدرسي والمصنعي، مما جعل الطب يتدخل في هذا الأمر فأنشيء في بلاد الكفر من جراء ذلك الإدمان عيادات تخصصية.
معاشر المسلمين: ولا يستغرب من الكافر إدمانه ذاك لأن غاية مراده ومبلغ همته التمتع بشهواته وشبهاته دون وازع من دين أو عقل أو عرف "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم كافرون"
معاشر المسلمين: لا يستغرب هذا من الكافر الذي عرف ظاهراً من الحياة الدنيا وغفل عن الآخرة، إنما المصيبة أن يقع في ذلك بعض المسلمين ومنهم بعض الموسمين بالخير؛ مما يزيد المصيبة عظماً
اللهم اكفنا شر أنفسنا والشيطان وشر طوارق الليل والنهار إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان. فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا ، اللهم بك نستغيث من سخطك وعذابك ، ونقر لك بأنا مذنبون ، وعاصون ، ولكنا بك مؤمنون ، ولك موحدون ، فادفع عنا وبلادنا كل سوء ، ومتعنا بنعمك ، واجعلها لنا عونا على طاعتك ، وذلولا إلى جنتك ، ومهرا لرضوانك ، وسببا لعافيتك . يا أرحم الراحمين .
ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود
يتبع الخطبة الثانية اسفل
مواقع النشر (المفضلة)