**^^// ثور الله في برسيم \\^^**
[align=center]بعد كل هذه السنين الطويلة التي أفناها ما بين المنزل والوظيفة والديوانية، أدرك صاحبنا الذي أنهى العقد الخامس
من العمر أن حياته – بسبب هذا الروتين المقيت – ما هي إلا سلسلة من الأخطاء وسوء الحظ، وقد ذهبت سدى ولم
يكن لها أي معنى وقيمة أو طعم، وأنه قد أضاع زهرة شبابه هباء ولم يتمتع بملذات الدنيا ومباهجها طوال تلك السنين
التي مضت … ولهذا الأمر فقد قرر بعد حصوله على التقاعد من الوظيفة أن يستمتع فيما تبقى له من العمر ويعوض
ما فاته من سنوات الحرمان في الحل والترحال والتنقل بين دول العالم قاطبة، وأن ينظم إلى قافلة المتقاعدين أولئك
الذين تركوا البلاد بعد التقاعد واستقروا بالخارج، لأجل حمل الأمانة والحفاظ على تراثنا المجيد وإنجازاتنا السابقة في
بلاد الفرنجة ورفع رؤوسنا شامخة بين الجميلات والمدلهات وذوات الحسن والغنج والدلال!
فاستجمع قواه وشد الرحال كما خطط مسبقاً إلى حيث الماء والخضرة والوجه الحسن، وكان صاحبنا لا يهتم كثيرا
بالسفر في السابق، وكانت جميع رحلاته لا تتعدى بعض حدود الدول العربية وتحديداً للدول المجاورة ولأيام قصيرة
جداً، ولكنه اختار في بداية جولته هذه أن يسافر إلى دول أوربا وشرق آسيا … وراح بالفعل يصول ويجول في ربوعها
ويرشف منها أقداحاً لا عدد لها من المتعة واللذة التي لم يذقها في حياته من قبل، إلى أن حطت أقدامه أخيراً في
إحدى دول شرق آسيا التي كان كثيرا ما يسمع عنها عندما يكون بين أصدقائه، وقد استقر به المقام في تلك البلاد
لرخص الحياة فيها ولتوفر كل ما يصبو إليه من مختلف المتع والملذات … وما فاز باللذات إلا الجسور !
وفي يوم مشمس، كان صاحبنا يتنزه في تلك البلاد الغربية فحانت منه نظرة شطر بحيرة صغيرة تقع على مقربة
من حيث يسكن، وبعد أن رمقها بتمعن وإعجاب استعاد في قرارة نفسه في تلك اللحظة بعضاً من ذكرياته القديمة
وأمجاده السابقة على شاطئ البحر في البلاد، وأراد أن يحي هذه الذكريات الجميلة فخلع ملابسه على الفور وألقى
بنفسه في تلك البحيرة وأخذ يستمتع بالسباحة ولوقت لا بأس به، وعندما هم بالخروج من البحيرة صاحبنا فوجئ
بوجود حشد غفير من الناس قد تجمعوا حوله وكانت تنتابهم مشاعر مختلطة ما بين الفرح والدهشة والريبة، ثم
اقتربوا منه لتحيته، وقد استقبل يومها استقبال الفاتحين والأبطال!
وفي صباح اليوم التالي كرر صاحبنا السباحة في هذه البحيرة، وعند انتهائه وجد أيضا جماهير أخرى تستقبله
بنفس الشوق والحرارة التي استقبل بها في الأمس حتى ظن أن أهل هذه البلاد لا يجيدون السباحة مثله لعدم
وجود من يرافقه في تلك البحيرة، ولذلك فقد شعر صاحبنا بأنه قد صنع فعلا عظيماً ولا يأتي بمثله سوى الجبارة
والشجعان … ولما انتهت مراسم الاستقبال وتحية الجماهير دفعه فضوله إلى الاستفسار من أحد المتجمهرين عن
سر هذا الاستقبال الحار وتهافت المعجبين والمعجبات عليه، فأتاه الجواب كالصاعقة التي نزلت عليه حيث لم يتوقع أن
تلك البحيرة التي كان يسبح فيها تضج بالتماسيح المفترسة، وأن الناس التي تجمهرت حوله كانت تحييه على
شجاعته وجرأته وكانت تتساءل في نفس الوقت عن سر هذه الألفة التي بينه وبين التماسيح!
وبعدما سمع صاحبنا هذا الكلام ارتعد فرائصه وفغر من الدهشة فاه وارتسمت على قسمات وجهه علامات الحزن
والقلق والخوف لما قد صنعه دون أن يعلم، ثم ولى هارباً لا يلوي على شيء ولم يعد إلى تلك البحيرة بعد ذلك اليوم
إطلاقاُ!
وكان صاحبنا المتقاعد نموذجاً من نماذج كثيرة من فئة المتقاعدين السذج الذين تركوا البلاد بعد تقاعدهم مباشرة،
وأخذوا يهيمون على وجهوهم في بلدان لا يعرفون عنها شيئاً في سبيل البحث عن ملذاتهم والاستمتاع في
السنوات المتبقية من حياهم على غير بصيرة، حتى انقلبت وبالاً على رؤوسهم، ولنا في هذه الحياة أمثلة كثيرة لا
تعد ولا تحصى … ونسأل الله العافية لنا ولكل المتقاعدين![/align]
رد مع اقتباس
مشكووووووووووووووووووووووووووووووره
مواقع النشر (المفضلة)