التقيّة اسم مصدر من الاتقاء، يقال: اتقى الرجل الشيء يتقيه، إذا اتخذ ساترا يحفظه من ضرره، ومنه الحديث: [ اتقوا النار ولو بشق تمرة ] وأصله من وقى الشيء يقيه، إذا صانه، قال الله تعالى: ( فَوَقَاهُ اللهُ سَيئَاتِ مَا مَكَرُوا) (غافر 45) أي: حماه منهم فلم يضره مكرهم.
وفي الموسوعة الفقهية: التقاة والتقية والتقوى والتقى والاتقاء، كلها بمعنى واحد في استعمال أهل اللغة، أما في اصطلاح الفقهاء فإن التقوى والتقى خُصا باتقاء العبد لله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه والخوف من ارتكاب ما لا يرضاه، لأن ذلك هو الذي يقي من غضبه وعذابه، وأما التقاة والتقية فقد خصتا في الاصطلاح باتقاء العباد بعضهم بعضا، وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى:( لا يَتخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَن تَتقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً) (آل عمران 28) وقد عرفها السرخسي بقوله: التقيّة: أن يقي الإنسان نفسه بما يظهره وإن كان يضمر خلافه.
وهناك ألفاظ ذات صلة منها المداراة، والمداراة: ملاينة الناس ومعاشرتهم بالحسنى من غير نقص في الدين من أي جهة من الجهات والإغضاء عن مخالفتهم في بعض الأحيان، وأصلها “المدارأة” بالهمز، من الدرء وهو الدفع، والمداراة مشروعة، ذلك لأن وداد الناس لا يُستجلب إلا بمساعدتهم على ما هم عليه، والبشر قد ركب فيهم أهواء متباينة، وطباع مختلفة، ويشق على النفوس ترك ما جبلت عليه، فليس إلى صفو ودادهم سبيل إلا بمعاشرتهم على ما هم عليه من المخالفة لرأيك وهواك، والفرق بين المداراة والتقية: أن التقية غالبا لدفع الضرر عند الضرورة، وأما المداراة فهي لدفع الضرر وجلب النفع.
المداهنة والنفاق
أما المداهنة فهي تخلّق المرء بخلق يشوبه بعض ما يكرهه الله، وقوله تعالى: (وَدوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (القلم 9) أي: ودوا لو تلين في دينك فيلينون، وقال أبو الهيثم: أي: ودوا لو تصانعهم في الدين فيصانعونك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بالصدع بالدعوة وعدم المصانعة في إظهار الحق وعيب الأصنام والآلهة التي اتخذوها من دون الله تعالى، فكان تليين القول في هذا الميدان مداهنة لا يرضاها الله تعالى، لأن فيها ترك ما أمر الله به من الجهر بالدعوة، والفرق بين المداهنة والتقية: أن التقية لا تحل إلا لدفع الضرر، أما المداهنة فلا تحل أصلا، لأنها اللين في الدين وهو ممنوع شرعا.
أما النفاق فهو أن يظهر الإيمان ويستر الكفر، وقد يطلق النفاق على الرياء، قال صاحب اللسان: لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن، قال ابن تيمية: أساس النفاق الذي بني عليه هو الكذب، وأن يقول الرجل بلسانه ما ليس في قلبه، كما أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، والصلة بين التقية وبين النفاق، أن المنافق كافر في قلبه لكنه يظهر بلسانه، وظاهر حاله أنه مؤمن ويعمل أعمال المؤمنين ليأمن على نفسه في المجتمع الإسلامي وليحصّل الميزات التي يحصلها المؤمن، فهو مغاير للتقية، لأنها إظهار المؤمن عند الخوف على نفسه ما يأمن به من أمارات الكفر أو المعصية مع كراهته لذلك في قلبه، واطمئنانه بالإيمان.
مواقع النشر (المفضلة)