بدأ في حديثه مع سليمان عليه السلام كعالم من العلماء، أو فقيه من الفقهاء يصف الداء ويشخص الدواء ويدعو إلى عبادة رب الأرض والسموات، يكنى بأبي الأخبار وأبي ثمامة، وأبي الربيع، وأبي روح، وأبي سجادة وأبي عبادة، قيل إنه يرى الماء في باطن الأرض كما تراه سائر المخلوقات في باطن الزجاجة، وأنه كان دليل سليمان لمعرفة عيونه وموارده.
يضرب به المثل في الحذر وحدة البصر وحسن العبادة فيقولون: أبصر وأحذر وأعبد أو أسجد من هدهد.
الهدهد من الطيور النادرة ورغم ذلك فإن صورته معروفة للجميع صغارا وكبارا، ينتمي إلى فصيلة الهداهد وهو من ذوات المنقار العظمى، مخالبه قوية ومنقاره طويل دقيق معقوف يستخدمه في صيد فرائسه وفصل الأجزاء التي يرغب في استبعادها.
يحمل الهدهد فوق رأسه تاجا جميلا وله ريش ملون يجمع بين اللونين الأبيض والأسود في توليفة جميلة الشكل، تساعد مع اللون البني الفاتح، الذي يغلب على الجزء العلوي، في تكوين هيئته المتميزة.
له طريقة غير عادية في السير والطيران ويتغذى على الحشرات والقوارض الصغيرة وهو من الطيور التي تساعد الفلاح على تنظيف أرضه من الآفات.
رمز شهير
يعيش الهدهد في كثير من مناطق العالم، منها جنوب أوروبا وأمريكا وآسيا (خاصة في الهند وماليزيا) وفي إفريقيا، وهو أكبر قليلا من الدجاج، ويصل طوله إلى 30 سنتيمترا وأرجله قصيرة.
ترقد أنثاه على البيض 18 يوما (الدجاج 21 يوما والبط 30 يوما). ولا تغادر عشها إلا بعد أن يفقس البيض، كما ترعى صغارها لمدة أسبوعين تقريبا، ويتولى الزوج إحضار الطعام طوال هذه الفترة.
يختار الهدهد بيته في الفجوات داخل الأسطح والجدران والصخور والأشجار، يعرف عنه شدة الحذر ويظهر ذلك من طريقة مشيته التي تشبه القفز.
ومن أسباب شهرته قصته مع نبي الله سليمان عليه السلام، يقال للذكر هدهد، والأنثى هدهدة، والجمع هداهد وهداهيد.
والهداهد تعني الرفق والتأني فيقولون (عليك بالهداهيد)، والهدهدة صوت الهدهد، وهو صوت جميل تستريح له الأذن ويبدو مع صوت بعض الطيور الأخرى كاليمامة والكروان كأنه تسبيح لرب العالمين.
والهدهدة تعني كل ما يقرقر من الطير، والحمام كثير الهدهدة، أي أن اسم الهدهد جاء من صوته، وهو رمز شهير من رموز العمل الإعلامي، اتخذته الصحف ومن بعدها وسائل الإعلام الأخرى شعارا أو مثالا لحسن العمل في مجال جمع الأخبار، وكثير منها ومن مواقع شبكة المعلومات الدولية تضع صورته على صفحاتها الرئيسية، ومن الصحف التي صدرت في المنصورة عاصمة الدقهلية بمصر عام 1905 جريدة الهدهد.
القدر والبصر
تصور العرب قديما أن التاج الذي يحمله الهدهد فوق رأسه ثواب من الله لأنه بر والديه وعلى وجه الخصوص والدته التي جعل قبرها على رأسه.
ويروي الدميري في “حياة الحيوان” أن يافع بن الأزرق سأل عبد الله بن عباس رضي الله عنه تفسيرا لمقولة: إن الهدهد إذا نقر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين الماء، ورغم ذلك يقع في الفخ الذي يوضع له على الأرض حتى إذا نقر الثمرة وقع فيه.
فقال: إذا جاء القدر عمي البصر.
وقد أنعم الله على داود وولده سليمان عليهما السلام بالنبوة والملك وأتاهما العلم والحكمة وسخر لهما الريح والجن وعلمهما منطق الطير وسائر الكائنات.
وقيل إن جيشه بلغ 100 فرسخ، 25 منها من الأنس ومثلها من الجن، ومثلها من الوحوش ومثلها من الطير.
وعندما تفقد سليمان عليه السلام الطير ولم يجد الهدهد توعده بالضرب أو القتل إذا لم يأت بعذر مقبول أو سبب معقول.
ظهر الهدهد في مكان قريب وتحدث بثقة وفصاحة وبيان وقال إن لديه من الأخبار ما لا يعرفه أحد وقال إن في بلاد اليمن مملكة عظيمة البنيان تملكها ملكة ذات جاه وقوة وسلطان لها عرش عظيم من الذهب تجلس عليه، لكنها وقومها يعبدون الشمس من دون الله، ويتعجب الهدهد من أمر هؤلاء الذين يعبدون المخلوق ويتركون الخالق الذي أحسن كل شيء صنعا.
حيلة بلقيس
طلب منه سليمان أن يحمل رسالة إلى بلقيس ملكة سبأ بدأها ب”بسم الله الرحمن الرحيم” ودعاها وقومها لعبادة الله وحده.
فسعى الهدهد من بيت القدس في فلسطين لإنجاز مهمته وطار إلى منطقة مأرب في بلاد اليمن على بعد 3 أيام من صنعاء، وألقى رسالته إليها ووقف يترقب ويتعرف الى ردود الأفعال ويتابع الموقف ويعرف الأخبار.
أكد لها رجالها أنهم طوع أمرها ورهن إشارتها وأنهم أهل قوة يملكون عناصر القوة والتفوق على سائر الجيوش.
لجأت الملكة إلى الحيلة والسياسة وقالت لهم إن الفرق واضح كبير بين الملوك والأنبياء، وأنها سترسل إليه بهدية كبيرة وتنتظر رد الفعل الذي سيكشف حقيقة الأمر، فإن كان سليمان ملكا قبلها وان كان نبيا ردها ولم يرض بديلا عن تبليغ رسالته والانتصار لدعوته.
قال سليمان عليه السلام لرسل بلقيس إن الله سبحانه وتعالى أنعم عليه بنعم لا تعد ولا تحصى، وأن ما جاءوا به على كثرته قليل ضئيل بالنسبة لعطاء الله، وأن الهدف من رسالته ودعوته أن يؤمنوا بالله وحده لا شريك له.
طلب سليمان من أتباعه إحضار عرش بلقيس الذي وصفه الهدهد بدقة وإحكام، قال عفريت من الجن إنه يستطيع إحضاره خلال سويعات قليلة، قبل أن يقوم من مجلسه، وقال رجل صالح عنده علم الكتاب (آصف بن برخيا) إنه يستطيع إحضاره في لحظة واحدة أو طرفة عين، وبالفعل رأى سليمان العرش أمامه رأي العين فحمد الله على آلائه وجزيل نعمائه.
أمر سليمان الجن فشيدت قصرا عاليا من زجاج يجري من تحته الماء وتسبح الأسماك، جاءت بلقيس وظنت أنها تخوض في الماء فرفعت ثوبها قليلا حتى لا يبتل ورأت عرشا يشبه عرشها تماما، وأدركت أنها أمام قوة كبرى وعرفت الحقيقة وأعلنت إسلامها للخالق العظيم.
جاء ذكر قصة الهدهد مع سليمان عليه السلام في سورة النمل: “وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الملأ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الملأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ قَالَ يَا أَيُّهَا الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”.. صدق الله العظيم.
مواقع النشر (المفضلة)