مفتي كرواتيا : كرواتيا هي واحدة من بين أربع دول أوروبية تعترف بالإسلام كدين
ماذا تقول عن أوضاع المسلمين في كرواتيا؟
بداية يجب أن نعرّف الناس جميعا بأن كرواتيا هي واحدة من بين أربع دول أوروبية تعترف بالإسلام كدين وبالتالي فإن لأتباعه كل الحقوق وعليهم الواجبات نفسها التي للمواطنين من أتباع الدين المسيحي.. وقد حدث الاعتراف عام 1916 ولذلك لا تستغرب إن قلت: إن وضع المسلمين في كرواتيا طيب جدا وليس سيئاً كما يتصور البعض عقب أحداث البوسنة والهرسك في أواخر القرن الماضي. ويضيف قائلاً: إن المسلمين يمثلون 2 في المائة من عدد السكان البالغ أربعة ملايين نسمة يدينون جميعاً بالكاثوليكية.. ويبلغ عدد المسلمين أكثر من 60 ألف نسمة يؤدون فرائضهم في 22 مسجدا موزعة في مختلف المدن. ومن بين هذه المساجد يبرز المركز الإسلامي في العاصمة “زغرب” وهو أكبر مركز إسلامي في أوروبا وقد أقامه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة “حفظه الله”. وهذا المركز تجسيد للجهود الإماراتية في خدمة الدعوة الإسلامية ودعم المسلمين في كل مكان في العالم.
ومساحة المركز 10 آلاف متر ويحتوي على جميع الملحقات ومنها المسجد الكبير الذي يتسع لحوالي خمسة آلاف مصل من الرجال، أما النساء فلهن أماكنهن المخصصة لهن كما أن هناك المعهد الثانوي والمدرسة العليا وكلية الدراسات الاسلامية واللغة العربية بالإضافة إلى المستوصف وسكن الأئمة وهم 7 أئمة لنشر الدعوة الإسلامية ومرتباتهم على نفقة صاحب السمو حاكم الشارقة.
ما طبيعة المشكلات أو التحديات التي يواجهها المسلم الكرواتي؟
لا أستطيع القول إن مسلمي كرواتيا لا يعانون من أي مشكلات، فهم مثلهم مثل بقية المسلمين بل البشر جميعا، فقد خلق الإنسان في كبد أي في شقاء ومكابدة مع التحديات والصعاب التي تفرزها طبيعة كل عصر، وإن كانت هناك مشكلات يمكننا الحديث عنها فهي انخفاض نسبة الزواج بشكل ملحوظ بين أبناء المسلمين، وفي المقابل هناك ارتفاع في نسبة الطلاق حيث وصلت إلى حوالي 10 في المائة، وأعتقد بأن هذه المشكلة عامة في المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية ولها أسبابها ودوافعها، ومع ذلك فإن الحل موجود في أحكام ديننا الحنيف والمنهج الذي علمنا إياه رسولنا العظيم صلى الله عليه وسلم من أن أفضل الزيجات هي التي تكون أيسر وأسهل في إجراءاتها والتي تخلو من التعقيدات التي نعاني منها في العصر الحديث من مغالاة في المهور وتكاليف الأعراس وغيرها.
كما عانينا في فترة سابقة من مشكلة الزواج المختلط والذي حدث نتيجة عدم الفهم الصحيح للدين الحنيف ولكن الأمر مختلف تماما في الوقت الحالي بعد أن نشط العلماء والدعاة في نشر مفاهيم الإسلام وخاصة في النواحي الاجتماعية والأحوال الشخصية فضلا عن العبادات وأمور الشريعة والعقيدة.
لكل هذا بدأنا عقد الندوات واللقاءات والدروس في المساجد لتبصير المسلمين بأصول دينهم ونركز في هذا الإطار على توعية النساء باعتبارهن الركن الأساسي في نشر الفكر والسلوك الصحيح عن الإسلام وتعاليمه، لذلك فإن مسألة ذوبان الهوية الإسلامية غير واردة لما يتميز به المسلم الكرواتي من تمسك شديد بدينه وقيمه.
هل معنى ذلك أن مسلمي كرواتيا لا يعانون من أي مشكلات سياسية مع نظام الدولة؟
نحن ولله الحمد لا توجد لدينا أي مشكلات سواء كانت سياسية أو تنظيمية أو غيرهما مع الحكومة بل على العكس من ذلك فرغم قلة عددنا إلا أننا نتمتع بوضع متميز في الحكومة والمجال السياسي، فهناك الحزب الإسلامي الذي ينتمي إليه المسلمون ونمارس من خلاله جميع الأنشطة والأعمال الحزبية والسياسية، كما يوجد لنا ممثل في البرلمان الكرواتي، ولدينا عدد كبير من الجمعيات الإسلامية في مختلف الأنشطة والمجالات الثقافية والخيرية والاجتماعية والإغاثية.
كل هذا يجعلنا فخورين بما حصل عليه المسلمون في كرواتيا وإن كنا نطمح إلى المزيد من الحقوق والامتيازات وفي المقابل فإننا نطالب كل مسلم كرواتي بأداء ما عليه من واجبات تجاه وطنه حتى نقدم القدوة والمثل فيما ينبغي أن يكون عليه المسلم من انتماء وحب للوطن مع احتفاظه وتمسكه بقيم دينه الحنيف.
ما طبيعة العلاقات الاجتماعية والأسرية التي تربط مسلمي كرواتيا مع بعضهم ومع مواطنيهم الكروات؟
الحمد لله علاقاتنا طيبة جدا فيما بيننا خاصة أننا نعتبر قلة وسط مجتمع كبير وهذا يفرض علينا أن نكون متماسكين ومترابطين ومتعاونين فيما بيننا ودائما نضع أمامنا الحديث الشريف: “ترى المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، ففي كل مناسباتنا الأسرية والعائلية تجدنا في تكافل وتعاون امتثالا لقوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى”، “المائدة 2” وهذا الأمر يساعدنا في موضوع غاية في الأهمية، ألا وهو الارتباط أو الزواج فيما بين الشباب بصفة خاصة حيث يتعرفون إلى بعضهم في إطار أسري وبهذا نستطيع التغلب على مسألة الذوبان في المجتمع.
وبهذه الروح نفسها نتعامل مع الكروات غير المسلمين ولهذا فعلاقاتنا طيبة جدا مع الجميع ونشارك في جميع الأنشطة والخدمات الاجتماعية والتطوعية.
كيف تنظرون إلى محاولات تأجيج الخلافات المذهبية بين المسلمين؟
لا أبالغ إذا قلت إنها أصابت مجتمعاتنا الأوروبية قبل أن تظهر بشكلها المقيت في العالم العربي والإسلامي، فقد اقتحمت حياتنا مع قدوم بعض الدعاة غير المؤهلين الذين بثوا مع دعوتهم إلى دين الله أفكارا مذهبية متشددة بل متطرفة إلى حد يبعد كثيرا عن سماحة الإسلام وجوهره الداعي إلى التيسير ونشر المحبة والتسامح بين جميع البشر، فما بالنا بالمسلمين أنفسهم؟
إن هذه الفتنة التي تؤجج الصراع بين الشيعة والسنة كارثة كبرى بكل المقاييس ولا حدود لتوابعها ولا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتائجها وتأثيراتها السلبية الخطيرة في المجتمع الإسلامي كله، ولذلك من الضروري جدا بل من الواجب شرعا أن ننتبه جميعا إلى الخطر الذي يحدق بنا نحن المسلمين في أي مكان كنا لأن الصراع بين السنة والشيعة مخطط يهدف إلى تحقيقه أعداء الإسلام فهؤلاء الأعداء يدركون تماما أنهم لن يستطيعوا السيطرة على المسلمين وهم متمسكون بدينهم مطبقون شرع ربهم في جميع شؤون حياتهم، ولذلك يسعون إلى اضعاف المسلمين بتفريقهم وتأليبهم على بعضهم بعضا.
من الواجب على علماء الأمة وحكمائها ومفكريها العمل وبأقصى سرعة على توعية المسلمين ووأد الفتنة المذهبية التي تنذر بأشد الخطر على المسلمين الذين يؤمنون جميعاً بإله واحد ونبي واحد وكتاب واحد ويتوجهون في صلاتهم إلى قبلة واحدة.
مواقع النشر (المفضلة)