يقابل الإنسان في حياته الاف الناس ولكن قليلا منهم يصلون الي درجة الصداقة. وتعاني الإنسانية منذ القدم من ندرة الصداقة الحقيقية ويفتقر الي الأصدقاء المخلصين.
والصدقات هنا عادة صداقات الأغراض وقلما تبني علي الإخلاص ولا تبقي وتدوم صداقات الأغراض طويلا إلا إذا كانت الأغراض موجودة وإذا ما انعدمت الأغراض انعدمت الصداقة أو انتهت.
والإنسان يمر في حياته بظروف كثيرة، حسنة منها أحياناً ومن سيئة الي أسوأ أحيانا. وهنا يتضح له من كان يصادقه في سرائه ورخائه ونعمائه هل يرافقه الآن في ضرائه وشدائده وبؤسه. ولا نفتقر الي أصدقاء السراء والرخاء وإنما ينقصنا أصدقاء الضراء والشدائد.
وخير الأصدقاء من أقبل إذا أدبرت الدنيا عني أو كما قال رضي الله عنه. فلا نغتر بالذين يصافحوننا ويعانقوننا ويصادقوننا ويجالسوننا وهم اكيلنا وشريبنا وجليسنا بأنهم فعلاً أصدقاؤنا، أصدقاء الخير، أصدقاء الضراء، أصدقاء الإسلام والإيمان، أصدقاء الصفات، أصدقاء صادقين ولا نُخدع بهم. ولابد ان نجرب من يتظاهرون بكونهم أصدقاءنا.
ولا ندري عن أنفسنا من أي فئة نحن لأننا نجد سهلا جداً ان نعاتب الآخرين ونلومهم ونؤاخذهم بما يفعلون ولا نستطيع ان نتحمل إذا عاتبنا أحد منهم ونحسبه إهانة لنا فنقاطعه ونغتابه وننمه ونبدأ نعده من قائمة الأعداء ولكن لا نجتريء أن نحاسب أنفسنا قبل كل شيء. وهل ما يقال عنا صحيح أم غير صحيح أم مجرد أقاويل وإشاعات؟ وهل اذا كان ما يقال عنا صحيحا نجد في أنفسنا جرأة أن نلوم أنفسنا قبل أي شخص آخر ونسعي لإزالة ما هو مذموم في أنفسنا؟ ويعرف الكل أن توجيه وجوه دبابات الانتقاد الي الآخرين سهل جداً وفيه لذة ولكن تحويل وجوهها الي نفسي من أصعب الأشياء وأمرّها. وانسي أنني عندما انتقد الآخرين وأوجه بأصبع واحدة اليهم فإن بقية الأصابع تشير الي وتقول لي ما تبحث عنه -يا سيدي الفاضل- في الآخرين مرة توجد في نفسك مرات عديدة.
وخير الأصدقاء من ساعدك وعاونك في أمور الخير وما تفكر لدينك وإيمانك وما تفكر لدنياك وآخرتك وما تفكر لك ولأولادك. صحيح ان الانسان يحتاج الي الأصدقاء في حياته ولكن حاجة الانسان الي الأصدقاء لا تعني ان يصاحب الإنسان كل شخص يجده ويقابله بل يجب عليه أن ينتقي الأفراد الصالحين لمصاحبته واذا لم يجد من تتوفر فيهم الصفات الحميدة فالوحدة خير من جليس السوء. وفي انتقاد الأفراد للمصاحبة والمصادقة يتوجب عليه أن يركز علي الجانب الخلقي وينظر الي الصفات الحسنة الحميدة ولا ينظر الي الجمال بل ينظر الي الكمال ولا يهتم بالمظاهر إنما يهتم بالجوهر.
ويجب ان تكون صداقاتنا لله وليست الصداقات فقط لله بل تكون عداوتنا لله أيضا. وإن عمل المؤمن كله يكون دائما لله وله عليه أجر من عند الله. فيجب ان يكون أصدقاؤنا دائماً مثل حاملي المسك وليس مثل نافخي الكير وهم ينشرون الخير وليس الشر ويمحون الشر وليس الخير.
إذا جاريت في خلق دنيئا
فأنت ومن تجاريه سواء
لا تبحث فقط عن الأصدقاء الأخيار بل كن بنفسك خير صديق. ونحن دائما نبحث الخيرية في الآخرين ولا نخلقها في أنفسنا.فعلينا ان نحاول ألا نصبح أصدقاء السراء فقط بل نقف بجانب أصدقائنا في ضرائهم وشدائدهم. وإن كنا لا نستطيع ان نقف بجانب أصدقائنا في ساعات حرجة فلماذا نتوقع منهم ان يثبتوا صدق صداقتهم لنا في مصائبنا؟ فالصداقة الحقيقية لا تكون مبنية علي الأغراض المادية والمنافع الدنيوية وان تبني علي الإخلاص. وهي لا تري الي الظروف الحسنة ولا السيئة بل تثبت وتصمد وتقف في جميع الظروف بجانب الأصدقاء ولا تخدعهم ولا تخذلهم ولا تنقطع بأشياء هينة وبأسباب بسيطة.
واجعل ايضا صدرك مقبرة لتدفن فيها أخطاء صديقك إذا كنت تريد صداقتك تدوم طويلا. واذا بدأت تلوم وتعاتب صديقك كل حين وفي كل شيء فإنك في هذه الحالة تخسر صديقك وتبقي وحيدا. واذكر صديقك دائما بالخير بمحضرة منه وفي مغييبة واذا فعلت عكس ذلك تخسر صديقا ايضا. وان كنت تريد ألا تري سوءا من أصدقائك فعليك ألا تعلق آمالا كبيرة من الأصدقاء.
واذا ساعدك وعاونك فاشكر له واذا نسيك في ابتلاءاتك فاعف عنه واصفح عنه وسامحه فإن العفو والصفح والتسامح لا تجعلك تحزن من ناحية ولا تجعلك تفقد صديقك من ناحية أخري. وحاول ان تضحي لأصدقائك قليلاً وان لم تستطع فعليك ألا تنتظر ولا تتوقع منهم التضحية من أجلك. ونحن نتوقع لنا التضحية من الآخرين ولا نكاد نقدم التضحية بأنفسنا لهم.
وإن الصداقة الحقيقية المبنية علي الإخلاص والخالية من الأغراض إن هي إلا نعمة من نعم الله تعالي ينعم بها الرب الرحمن علي عباده. فنسأل الله ربنا جل وعلا أيضاً أن يرزقنا بالأصدقاء الذين يحبهم الله ويرضاهم لنا ويجنبنا الأصدقاء الأشرار الذين هم في الحقيقة أعداؤنا في شكل أصدقائنا فهم أعداء ديننا ودنيانا وآخرتنا. والهجوم من قبل الأعداء الذين يلبسون عداوتهم لباس الصداقة اسهل واضر. فعلينا ان نكون حذرين من أصدقائنا ايضا كما نحذر من أعدائنا.
اللهم نجنا من أصدقائنا لأن أكثرهم أعداؤنا! آمين
احذر عدوك مرة وصديقك ألف مرة
مواقع النشر (المفضلة)