بينما أنت مستغرق في القراءة على مكتبك الفاخر.. وفجأة إذ بشخص يقتحم عليك عزلتك.. ممزقاً حبل أفكارك ومشتتاً لبناتها، يحمل معه كيساً قد امتلأ قصاصات ورق.. وبكل جرأة أخذ يرمي بتلك الأوراق والمخلفات عليك وعلى مكتبك النظيف!
لا أشك أن الدم سيغلي في عروقك وسوف يتدفق (الأدرينالين) بأقوى سرعة ميمماً نحو يديك محرضاً إياها توجيه لكمة خطافية لهذا الشخص الوقح..
وإن كان من أصحاب الحظوظ الجيدة فسوف تكتفي بأن تطلق عليه وابلاً من صواريخ الشتائم والسباب وقارع الكلمات.. ومع كل هذا فاستبعد أن غيظك سينطفئ، بل ستواصل هجومك عليه بإذاعة خبره ونشر سره وجعل ألسنة تلوكه عقاباً له وجزاء على ما اقترف من ذنب.. حاكياً عن سوء تصرفه ومتوجعاً من قسوة فعله وقبحه!..
كل تلك الإجراءات الصارمة والتصرفات العنيفة وحالة الطوارئ المعلنة لمجرد نفايات من قصاصات ورق ألقيت على مكتبك!!!
لا تثريب عليك ولا لوم، ولكن هل ستحضر تلك الغضبة الضارية وذلك الإقدام العنتري عندما يلقى عليك ما هو أعظم من الورق؟!
ماذا ستفعل عندما يرميك أحدهم بالنفايات الفكرية!؟
وعندما تُرمى بالأوساخ في عقلك من أولئك الذين ملأ الحسد قلوبهم والأنانية عقولهم أو عندما تلقى القاذورات عليك من المتشائمين هواة صناعة الأكفان وحفر القبور: يا فاشل.. يا عديم الذوق.. قدراتك ضعيفة.. لا أظنك ستنجح.. دائما تتصرف بغباء.. الأمور سيئة جداً..
تلك أمثلة بسيطة على القاذورات والنفايات الخطيرة.
إني أتعجب من تلك الروح الانهزامية والتفاعل المخزي من بعض الناس عندما يقلل من قدراتهم أو تهمش إنجازاتهم وتختزل مساحات عطاءاتهم!
إنَّ الأفكار والكلمات لا تمر مرور الكرام إذا وصلتنا واستقبلناها؛ فهي أبداً ليست في موقع حياد، بل هي تعمل فينا وتؤثر علينا..
إنَّ مَن تربى في بيئة يابانية تعلم لغتهم وتشرّب أيديولوجياتهم لا يتوقع أنه إذا كبر سيصبح صينياً!! فالبشر مكون لما يدخل في عقولهم!
والأفكار السلبية أو بمعنى أصح (النفايات) إن قوبلت بسلبية ودون تحوط أو حذر أو عدم مجابهة أو بشيء من التقبل تراكمت وأخذت تنهش في العقل والروح حتى تصنع أشخاصاً معدومي الهوية ضعيفي الثقة بليدي المشاعر..
إنَّ مَن يستقبل تلك الرسائل السلبية التي تصور الفشل ويمكِّنها من نفسه لن يجني بعدها سوى سلسة من الخيبات والتعاسة، ومعها لن يستطيع إلا أن يكون فاشلاً سلبياً، ولن يستطيع أن ينجح في أي شيء؛ لأن النجاح ومفرداته غير حاضرة في وعيه؛ فكل ما هو متواجد في عقله هي أفكار دافعة للفشل، ومعها ستتجمع مادة تشكل فيلماً سيئاً عن الفشل.. وصاحب تلك الأفكار هو من سيقوم ببطولة هذا الفيلم (التعيس)، يقدم فيه مشاهد مضحكة مبكية مثيرة للشفقة والغضب في آن واحد!
وهناك أمر خطير، وهو أن تأثير الأفكار لا يتوقف فقط على المشاعر، بل أثبتت الدراسات أن مناعة الجسم تتأثر على نحو كبير بالروح المعنوية؛ ففي حال انخفاضها يكون الإنسان عرضة لهجوم الأمراض عليه.
راقب حسابك!
كما أن للنقود بنكاً فإن للمشاعر بنكاً وأيضا هناك بنك للثقة بالنفس، وهو في حالة حراك دائم بين سحب وإيداع، والسيطرة في اختيار الإيداعات أو السحوبات تعود لك أنت وحدك فقط.. فأنت من يختار أن يقرأ الكتب الجيدة، وأنت الذي تختار أن تصاحب الإيجابيين، وأن من ينتقي مشاهدة البرامج المفيدة النافعة، وأنت من يقف ضد أي هجوم ينال من شخصك أو يقلل من قدرك، وأنت الذي تستطيع توجيه دفة أفكارك نحو الزوايا البيضاء.. وكل ما سبق هو ولا شك إيداعات ضخمة في بنك الثقة.
وأما مجالسة السلبيين، والتفاعل مع طرح الحمقى الحاسدين، وتضييع الأوقات في التوافه، ومتابعة ساقط البرامج وتافه القنوات.. فهي تمثل سحوبات مخيفة في بنك الثقة.
مواقع النشر (المفضلة)