2500 مسجد ومصلى ومركز إسلامي في "بانكوك"
يعرف مسلمو تايلاند تاريخياً بمسلمي “فطاني”، نسبة إلى مملكة “فطاني” التي تقع بين تايلاند وماليزيا، وعرفت الإسلام منذ القرن الخامس الهجري عن طريق التجار العرب وخصوصا الحضارمة الذين وصلوا إلى موانئها من ماليزيا وسومطرة في الجنوب، بالإضافة إلى المهاجرين من منطقة (يونان) بجنوب الصين والتي كان الإسلام ينتشر آنذاك في ربوع منطقة عريضة منها.
ولم يكد القرن التاسع الهجري يطل على “فطاني” حتى قيض الله لملكها “أندراسرى” أن يسلم، فكان ذلك إيذانا بتحولها إلى مملكة إسلامية بعد أن انتشر الإسلام فيها بشكل واسع، وارتبطت بعلاقات خارجية مع العديد من الدول، وشهدت ازدهارا هائلا في شتى مناحي الحياة، بلغ أوجه في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين، فصارت قبلة للعلماء، وأحد أبرز المراكز الثقافية الإسلامية في جنوب شرقي آسيا.
شيئا فشيئا، بدأ الضعف والفرقة يدبان في أوصال المملكة الفتية، فأضحت مطمعاً للتايلانديين الذين يدينون بالبوذية ويكرهون أهلها بسبب اعتناقهم للإسلام، ومن ثم سعوا منذ أواخر القرن الثاني عشر لتدبير الدسائس والمؤامرات بغية احتلال “فطاني” والاستيلاء على خيراتها وثرواتها، فقاموا بشن العديد من الهجمات استمرت 500 عام إلى أن نجحوا في إخضاعها عام (1832م)، وألزموا الفطانيين بدفع الإتاوات لهم.
حاكم بوذي
وفي عام 1320ه (1902م) استطاع التايلانديون القضاء نهائيا على آخر مظاهر استقلال فطاني، حين قاموا بدعم من الانجليز بإبعاد آخر سلاطينها المسلمين تنكو عبدالقادر قمر الدين، وعمدوا إلى تعيين حاكم بوذي خلفا له، بعد قمع سلسلة طويلة من ثورات المسلمين وتهجيرهم، ليتم بذلك ضم مملكة “فطاني” الإسلامية إلى تايلاند رسميا.
ورغم ذلك، ظل مسلمو “فطاني” متمسكين بشعائر وطقوس دينهم، وهو ما كانت تأباه السلطات التايلاندية بالطبع وتستكثره عليهم، فراحت تعمد إلى محو كل أثر للإسلام في نفوسهم، واختطت لبلوغ هذا الهدف عددا من الوسائل القمعية، على رأسها إكراههم على التأسي بالثقافة البوذية وتعلم اللغة التاهية (لغة تايلاند)، فضلا عن إكراههم على الركوع لتماثيل بوذا التي احتشدت بها المعابد والساحات العامة.
في عام 1933م شهدت تايلاند انقلابا عسكريا أطاح بالملكية، لعب مسلمو “فطاني” الدور الأكبر في نجاحه، بعد أن قرروا الرهان عليه للفكاك من ذل الأسر البوذي والعودة إلى عباداتهم وطقوسهم الإسلامية، ولمواجهة محاولات طمس الهوية والتذويب التي عانوا منها طويلا إبان الحكم الملكي لتايلاند، ومن ثم كان طبيعيا أن يستثمروا نجاح الانقلاب العسكري للمطالبة بتوحيد حكم المديريات الأربع التي يقطنونها في الجنوب (فطاني جالا ساتول بنغارا) وتعيين حاكم مسلم، وأن يعهد ب 80% من الوظائف الحكومية للمسلمين، واعتبار اللغة الملاوية هي لغة التعليم بالمدارس واللغة الرسمية فيها، فضلا عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وإنشاء مجلس أعلى إسلامي لتسيير شؤون المسلمين.
رهان خاسر
وسرعان ما أدرك مسلمو “فطاني” أن الرهان على الانقلاب العسكري لم يكن إلا رهانا خاسرا، إذ لم يطرأ أي تغيير على المعاناة التي كابدوها خلال الحقبة الملكية لحكم تايلاند، والتي زادت حدة وضراوة مع اعتلاء الفريق أول “سنقرام” سدة الحكم في البلاد، حيث أصدر عددا من القرارات التي كان لها أبلغ الأثر في محو الهوية الإسلامية والملاوية، أبرزها حتمية تغيير الأسماء المسلمة إلى تايلاندية، وإجبار المسلمين على التخلي عن زيهم التقليدي وارتداء الزي التايلاندي، وتحريم استعمال اللغة الملاوية ذات الحروف العربية وإحلال اللغة التايلاندية محلها، بالإضافة إلى إغلاق أبواب المدارس والجامعات في وجوههم، وحرمانهم من تقلد المناصب الحكومية والالتحاق بالجيش والشرطة، وأخيرا إغلاق المساجد وتجريم شتى صنوف الدعوة إلى الإسلام.
ومعاناة مسلمي تايلاند اليوم لا تختلف كثيرا عن معاناة أجدادهم من مسلمي “فطاني”، رغم أنهم يشكلون حاليا ما بين 10 15% من إجمالي السكان البالغ نحو 65 مليونا تقريبا، رغم أن الإسلام يعتبر الديانة الثانية في البلاد بعد البوذية التي يعتنقها نحو 75% من السكان، بالإضافة إلى بعض الجماعات المسيحية والهندوسية الصغيرة.
قانون الإصلاح التعليمي
ولا تقتصر الحرب الضروس التي تشنها تايلاند على المدارس الإسلامية على هذا الحد، وإنما تمتد لتشمل ما سمي قانون الإصلاح التعليمي لتلك المدارس، وهو قانون يهدف في الأساس لإضعاف مستوى التعليم الإسلامي، واستغلاله في خدمة الاستراتيجية السياسية لتايلاند، ناهيك عن فرض اللغة التايلاندية في دواوين الحكومة، وتشجيع البعثات التبشيرية للعمل في البلاد.
وتزخر تايلاند بنحو 2500 مسجد ومصلى، وبالعديد من الجمعيات والهيئات الخيرية والمدارس الابتدائية الإسلامية التي يلحق بعضها بالمساجد، إلى جانب مركز إسلامي وحيد في بانكوك.
وقد طبعت نسخ عربية من القرآن الكريم في تايلاند، وتمت ترجمة معانيه إلى لغة “التاي”، كما تشيع التراجم الماليزية للكتب الإسلامية في الجنوب المسلم بتايلاند، والذي يحظى في الوقت ذاته بصدور صحيفتين إسلاميتين شهريتين، أولاهما تصدرها رابطة العالم الإسلامي وتسمى “الرابطة”، فيما تحمل الثانية اسم “الجهاد”، إلا أنها توقفت عن الصدور وربما تعود قريباً أمام تزايد قوة ونشاط الحركات الإسلامية الداعية لإنشاء دولة إسلامية تضم أقاليم (فطاني ويالا وباتاني وناراثيوات) ذات الأغلبية المسلمة في الجنوب.
مواقع النشر (المفضلة)