الجرأة أن ندخل المخاطرة ونمضي بثقة، عارفين طريقنا ومدركين كيف نسير ملتزمين حدودا معينة دون تجاوزها الي الهاوية.. مع تقدير جيد للعواقب منذ البداية.. ومع الاحتفاظ بخطوط العودة عند الضرورة، ولا أعتقد أن ما يعاكس الوقاحة كمفهوم للكلمة هو الجرأة بل ما يعاكسها هو التعذيب فنقول فلان وقح في حديثه، وفلان مهذب في حديثه اما الجرأة فما يعاكسها كمفهوم للكلمة ، هو الجبن.. سواء في الحديث، أو في المواقف.. أي الخوف من المخاطرة وعدم الثقة بقدرتنا علي تجاوزها.. فتختلف الجرأة عن التهور الذي هو اندفاع زائد مع التسلح بالشجاعة.
أما الوقاحة فهي ان نتحدث غير عابئين بمشاعر الغير بالرغم من إدراكنا لإساءتنا لهم متجاوزين الحدود الأدبية التي تتناسب مع الموقف ومع الشخص أو الأشخاص الذين نحدِّثهم.. وأما أن آذينا مشاعرهم في حديثنا، دون أن نقصد ذلك، فإن ذلك برأيي يعتبر قلة فطنة أو غباء في الحديث، وبرأيي إن ما يعتبر كلاماً وقحاً مع شخص ما لسنا علي علاقة وثيقة معه ، قد لا يكون كذلك في نفس الموقف السابق ولكن مع شخص آخر نعرفه بشكل وثيق.. فالوقاحة كتعبير عن حديث أو موقف ، هي قضية نسبية، تختلف باختلاف الموقف والأشخاص الذين نحاورهم.. كما أن الوقح لا يشعر بقيمة إهانته للناس لكنه إن أهين يصبح شرساً.
فالجرأة تدل علي شخصية الإنسان وثقته بنفسه ولكن سوء استعمال الجرأة والالتزام بحدودها قد تؤدي الي دمار كيانه ولأن الوقاحة ان يعبر الشخص عن مكنوناته غير آبه لأي أذي قد يصيبك جراء ذلك أما الجرأة فهي أن يعبر عن مكنوناته ولو بطرف عينه..
وليست وقاحة ان ترد علي شخص مسيء أو كاذب أو سييء الأخلاق حيث لا تمنع ايقاف الكاذب او المسيء عند حده ولكن كيف ترد ومتي ترد وهل ترد بالحقيقة أو انك تختلق مثله الأكاذيب وهل تستعمل أسلوباً مسيئاً أو أنك ترد عليه بمنطق فلا تنحدر معه الي حد الوقاحة فالكلمة الحلوة والصادقة قد تنفع أكثر بكثير من الوقاحة.
قد نكون في حياتنا جميعاً ضمن لحظات جريئين وبعض لحظات قد تحتاج وقاحة. فكلنا لسنا منزهين عن الخطأ.. ونكون فعلا جريئين إن نحن اعترفنا بأننا مخطئون ونكون وقحين إن أخطأنا ورفضنا الاعتراف بالخطأ بل ودافعنا عنه. فكلنا في دواخلنا نملك بعضاً من جرأة وشيئاً من الوقاحة.. وهذا لا يعيبنا بل يؤكد إننا مثل باقي البشر نملك كل المتناقضات.
مواقع النشر (المفضلة)