في الحقيقة فكرت مراراً و تكراراً قبل شروعي في كتابة هذا الموضوع الأليم، و أخذت أمد و أجزر و أنوي و أُبطل و أقرر و أُلغي إلى أن أستقر بي الحال بأن لا مفر من كتابة هذا الموضوع الذي أصبح محتواه شبح يطاردنا و يهدد مجتمعاتنا .
و هذا مدخل بسيط إذا سمحتوا لي كي أمهّد به تسلسلي الكتابي و الفكري في هذا الموضوع .
قبل عدة سنوات عندما كنت طفلاً كنت أرى الدنيا جميلة و كنت أعيش نرجسية رائعة ، و رومانسية مفرطة لا تلوثها دناءة البشر .. كنت أعيش أحلاماً وردية لا تقطعها واقعية قذرة .
لكنني تقدمت في العمر و أصبحت شاباً و بدأت أنظر للدنيا نظرة مختلفة ، بدأت أرى العجب العجاب الذي لم يخطر لي على بال و لم يزرني حتى في الأحلام .
بدأت أرى (( المستخبي)) يظهر علناً في صور و مقاطع فيديو و يتم تناقلها بين الناس بتكنولوجيا حديثة تسمى (( البلوتوث )) .. بدأت أرى و أسمع عن أعراض باتت أرخص من التراب تُشاع و تُذاع على مرأى من الكبير و الصغير.. بدأت أرى الجانب المزري في مجتمعنا المحافظ .. المجتمع المسلم الخيّر .. لطفك و سترك يا رب .. أ كل هذا لدينا خلف الجدران و نحن لا نعلم شيئاً ؟.. أ إلى هذه الدرجة أنتشر الفسق و الفجور ؟!.. أ إلى هذه الدرجة أصبحت الأعراض رخيصة ؟!
يحز في خاطري أن أرى لحوم البشر أصبحت أرخص من لحوم الكلاب .. و أعراضهم أصبحت أوطئ من أعراض القطط .
كنا قبل فترة نلوم الشاب لأنه يصور الفتاة دون علمٍ منها و من ثم ينشر ما قام بتصويره عبر (( البلوتوث )) .. لكن اليوم أصبح الشاب يصور الفتاة و هي تعلم بذلك و هي الراضية بما يفعل !!.. إن ما يجري حولنا لهو شيء مهول و مريب .. صدقاً إخوتي و أخواتي أشعر أنني غريب أينما أذهب .. غريب في بيتي و غريب بين أصدقائي و غريب بين كل الناس .. هل هذه الدنيا ذاتها التي عشتها و أنا طفل أم هذه دنيا جديدة ؟.. أم هي الدنيا ذاتها و لكنها تغيرت ؟ أم ربما لم تتغير و لكن طغت أشياء لم نكن نحن نراها وأتت التكنولوجيا كي تسدل الستار عنها، فبطبعنا نحن العرب لا نأخذ من التكنولوجيا إلى مساوئها .
ماذا حل بالناس ؟!.. ماذا جرى لهم ؟؟.. طغت الشهوات و الملذات و طغت الفضائح و هتك الأعراض ..
أصبح الإنسان يخاف أن يسقط في الشارع أو ينزلق في حمام بيته و يرى نفسه مصوّراً بالبلوتوث و مفضوحاً على الملء .. أصبح الإنسان حذر في تصرفاته و مقيّد في كل ما يقوم به .. فلربما أحدهم يقوم بتصويره و هو يأكل بطريقة مضحكة أو و هو يمشي بطريقة تلقائية بريئة .. أصبحت حفلات الزواج كأنها مطار أو إدارة بنك أو جهة عسكرية ، حيث تخضع النساء للتفتيش الدقيق و يمنع منعاً باتاً اصطحاب جوالات الكاميرا كي لا يحدث شيء يدمر هذا الزواج برمّته .
انعدمت التلقائية في تصرفاتنا و صرنا حذرين و خائفين .. صرنا نحسب حاب لأي خطوة نقوم بها .. و أي فعل ننوي على القيام به .. صارت الأماكن العامة مشكوك بها و مريبة و انعدمت الثقة في مجتمعاتنا .. أصبح الخوف موجود في صالونات التجميل النسائية ممن يرتادونها و ممن يعملن بها ، و المستشفيات و من بها و أطبائها و ممرضاتها ، و الأسواق و المدارس و الطلاب و الطالبات و كل مكان إلا من رحم ربي .
مسكينة هي من تقع ضحية تصوير بفعل مؤامرة أو دون علم منها .. فعلى سبيل المثال : أما أن تكون في زواج و تكون في أزهى و أبهى حللها و تقع تحت طائلة كاميرا الجوال أو تكون في نادي صحي نسائي بلبس خفيف و تتعرض للتصوير بدون علمها أو أن تكون خاضعة للتخدير في مستشفى لعارض صحي و يتم تصويرها في وضع مخل .. و لكم في ذلك أمثلة كثيرة .
ماذا نفعل إذا غاب الضمير الحي و أنعدم الوازع الديني و تلاشت الأخلاق الإنسانية ؟.. نقول على الدنيا بعدهم السلام .
هل وصلنا للزمان الذي لا يبقى من الإسلام فيه إلا أسمه و لا من القرآن إلا رسمه ؟
المشكلة شائكة جداً .. و لم يعطيها موضوعي البسيط هذا ولو 1% من حقها .. لكنني طرحت هذا الموضوع كي يكون ساحة ثرية لنقاشكم حول هذه النقطة و التعبير عن آرائكم حولها
لطفك يا رب بعبادك الضعفاء .. و أسأل الله أن يزيح هذه الغمة عن هذه الأمة و أن يلطف بنا من كل ما يحاك ضدنا إنه سميع مجيب .
خالص التقدير و الإحترام
مواقع النشر (المفضلة)