[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم قرأت مقامة للشيخ عايض القرني وأعجني وأستفدت منه فحبيت إني أنقلها لكم وتستفيدوا معي
طبعا هي عبارة عن كتاب المقامات متنوع ورائع جدا بصراحة أحترت في إختيار إحدى مقاماتها
فأخترت لكم مقامة السعادة فأتمنى للجميع السعادة الدائمة
مقامة السعادة
((لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)).
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/21.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
دع الأيام تَفعلُ ما تَشَاءُ =وطِب نَفساً إذا حكم القضَاءُ
ولا تَجزَع لحَادثِةِ اللَّيَالي =فَمَا لحَوَادثٍ الدنيا بَقَاءُ[/poem]
قال الراوي: جاءنا رجل مهموم، قد أنهكته الغموم، فهو من الحزن مكظوم، فقال: أيها الناس، حلّ بنا البأس، وذهب منّا السرور والإيناس، وتفرّد بنا الشيطان، فأسقانا حميم الأحزان، فهل منكم رجل رشيد، رأيه سديد، يصرف عنّا هذا العذاب الشديد.
فقام شيخ منّا، ينوب عنّا، وهو أكبرنا سنّا، فقال: أيّها الرجل الغريب، شأنك عجيب، تشكو الهمّ والوصب، والغمّ والنَّصَب، أراك لم يبقَ منك إلا العصب، أما تدعو الرحمن، أما تقرأ القرآن، فإنه يُذهبُ الأحزان، ويطرد الوحشة عن الإنسان، ثم اعلم وافهم، لتسعد وتسلم، إن من أعظم الأمور، في جلب السرر، الرّضا بالمقدور، واجتناب المحذور، فلا تأسف على ما فات، فقد مات، ولو أنه كنوز من الذهب والجُنيهات، واترك المستقبل حتى يُقبل، ولا تحمل همّه وتنقل، ولا تهتمَّ بكلام الحُسادّ، فلا يُحسد إلا من ساد، وحَظِيَ بالإسعاد، وعليك بالأذكار، فبها تُحفظ الأعمار، وتدفع الأشرار، وهي أُنس الأبرار، وبهجة الأخيار، وعليك بالقناعة، فإنها أربح بضاعة، واملأ قلبك بالصدق، واشغل نفسك بالحق، وإلا شغلتك بالباطل، وأصبحت كالعاطل، وفكَر في نعم الله عليك، وكيف ساقها إليك، من صحة في بدن، وأمن في وطن، وراحة في سَكَن، ومواهب وفِطَن، مع ما صرف من المِحنَ، وسَلِمَ من الفتن، واسأل نفسك في النِّعَم التي بين يديك، هل تريد كنوز الدنيا في عينيك؟
أو أموال قارون في يديك؟
أو قصور الزهراء في رِجليك؟
أو حدائق دمشق في أذنيك؟
وهل تشتري مُلكَ كسرى بأنفك ولسانك وفِيك، مع نعمة الإسلام ومعرفتك للحلال والحرام، وطاعتك للملك العلام، ثم أعطاك مالاً ممدوداً، وبنين شهوداً، ومهّد لك تمهيداً، وقد كنت وحيداً فريداً.
واذكر نعمة الغذاء والماء والهواء، والدواء والكِساء، والضَّياء والهناء مع صرف البلاء، ودفع الشقاء.
ثم ارض بما جرى عليك من أقدار، فأنت لا تعرف ما فيها من الأسرار، فقابل النعمة بالشكر، وقابل البَليَّة بالصبر، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، واغفر لكل مَن قصّر في حقك وأساء، واغسل قلبك سبعاً من الأضغان، وعفره الثامنة بالغفران، وانهمك في العمل، فإنه يطرد المَلَل، واحمد ربك على العافية، والعيشة الكافية، والساعة الصافية، فكم في الأرض من وحيد وشريد، وطريد وفقيد، وكم في الأرض من رجلٍ غُلب، ومالٍ سُلب، وملكٍ نُهِب، وكم من مسجون، ومغبون ومديون، ومفتون ومجنون. وكم من سقيم، وعقيم ويتيم، ومن يلازمه الغريم، والمرض الأليم. واعلم أن الحياة غرفة بمفتاح، تصفّقها الرياح لا صَخَب فيها ولا صياح، وهي كما قال ابن فارس :
[poem=font="Simplified Arabic,5,white,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="backgrounds/26.gif" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ماءٌ وخُبزٌ وظِلا= ذاك النعيم الأجل
كَفَرتُ نعمة رَبي= إن قُلتُ إني مُقِل [/poem]
واعلم أن لكل باب من الهمّ مفتاحاً من السرور، للذنب ربّ غفور، والفلك يدور، وأنت لا تدري بعواقب الأمور، وملك كسرى تُغنِي عنه كِسرَة، ويكفي من البحر قطرة، فلا تذهب نفسك على الدنيا حسرة، ولا تتوقّع الحوادث، ولا تنتظر الكوارث، ولا تحرم نفسك لتجمع للوارث، ويُغنيك عن الدنيا مصحف شريف، وبيت لطيف، ومتاع خفيف، وكوز ماء ورغيف، وثوب نظيف.
والعُزلة مملكة الأفكار، والدواء كل الدواء في صيدلية الأذكار، وإذا أصبحت طائعاً لربك، وغناك في قلبك، وأنت آمن في سربك، راضٍ بكسبك، فقد حصلت على السعادة، ونِلتَ الزيادة، وبلغت السيادة.
واعلم أن الدنيا خدّاعة، لا تساوي همّ ساعة، فاجعلها طاعة.
فلما انتهى من وعظه، أُعجب بلفظه، وحُسن لحَظه، وقال له: جزاك الله عني أفضل الجزاء، فقد صار كلامك عندي أشرف العزاء.
بقلم الشيخ د/ عائض القرني ، المصدر/شبكة الاسلام
دمتم بحفظ الله ورعايته[/align]
مواقع النشر (المفضلة)