النفس البشرية غريبة في تكويناتها وأطوارها ونوازعها وهى لا تسير على النمط نفسه ولكن تتفاعل مكوناتها بما يولد في النهاية الاختلاف بين الناس، فنجد منهم السوي والمريض والخير والشرير والمحب للناس والكاره لهم ولنفسه قبلهم.
وتعتبر الغيرة أحد الأمراض التي تعكس طبيعة التكوين الداخلي لأي إنسان ولما يموج في نفسه من مشاعر وأحاسيس تجاه المحيطين به أو من تربطهم به أي علاقة سواء قرابة أو زمالة أو جيرة وخلافه.
والغيرة ليست سيئة على طول الخط ولكنها في بعض الأوقات قد تكون عبارة عن غيرة محمودة لا يحقد فيها الإنسان على غيره بقدر ما يجعل من هذه الغيرة حافزا على الاقتداء بمن حقق هدفا أو نجاحا ما ومحاولة الوصول إلى ما وصل إليه الآخر.
الغيرة أيضا على الدين والغضب من تعدي الحدود تعتبر من أفضل أنواع الغيرة المحمودة، وهى غيرة يحبها الله في عباده المؤمنين.. يقول تعالى: “ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه”، (الحج: 30) ويقول تعالى: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، (محمد: 7).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم غيورا اشد الغيرة على دين الإسلام ولم يكن يتهاون في أمر انتهكت فيه حرمات الله، وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أتشفع في حد من حدود الله تعالى؟). ثم قام فاختطب ثم قال صلى الله عليه وسلم(إنما أهلك من قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ).
وإذا كان عليه الصلاة والسلام يعلمنا أن الغيرة على انتهاك حرمات الشرع واجب وفرض عين على كل من يدين بالإسلام، فإنه على الجانب الآخر ينهى عن كل ما من شأنه أن يخلق مشاعر الكراهية والبغضاء بين المسلمين.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه).
الغيرة تولد في النفوس الكثير من مشاعر الحسد والحقد، وهى لا تنبع إلا من قلوب تفتقد الثقة في نفسها وفي قدرتها على العمل وتحقيق النجاح بجهد شخصي، وبالتالي فإن الغيرة تتحول إلى نار تأكل الشخص الغيور وتدفعه إلى التصرف بشكل ينفر الآخرين منه.
مشاعر الغيرة قد تنشأ بين الإخوة أنفسهم، فقد يتسبب الوالدان بتصرفاتهما تجاه ابن بعينه - ومن دون قصد - إلى تولد مشاعر غيرة إخوته منه، وهنا لا تكون الغيرة نابعة من داخل الطفل ولكن سلوكيات الأبوين هي التي تفرض عليه ذلك، فهناك بعض الأسر تدلل الابن الأكبر وتعطيه صلاحيات واسعة للتصرف مع إخوته، وبالتالي فهو يحاول فرض سطوته عليهم ويتمادى في استخدام سلطاته المدعومة من الأبوين ونظرا لحداثة عمره فهو لا يحسن تقدير الأمور الأمر الذي يولد المشاعر السلبية بين الإخوة.
والآباء منهم من لا يدرك خطورة ما يفعلونه بأبنائهم، وعندما يكبر الأبناء تكون ثمار مازرع في الصغر عنوانا لعلاقاتهم التي لا يمكن أن توصف على الإطلاق بعلاقة الإخوة.
ومشاعر الغيرة قد تدفع الناس إلى التشاحن والاختلاف وتباعد بينهم، والغريب أن هناك من يشعرون بالغيرة من أناس يعرفونهم معرفة سطحية، أو من أشخاص بذلوا جهدا وفيرا في سبيل تحقيق نجاحاتهم وهو ما يثير العجب حقا.
مواقع النشر (المفضلة)