قصة اسلام عدي ابن حاتم الطائي

هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. أبو وهب وأبو طريف. أمير صحابي من الأجواد العقلاء. كان خطيبا حاضر البديهة وكان رئيس طي في الجاهلية والإسلام. قام في حروب الردة بأعمال كبيرة.. وكان سرياً شريفاً تفي قومه خطيباً حاضر الجواب فاضلاً كريماً.

حال عدي بن حاتم الطائي في الجاهلية:
قال ابن إسحاق: وأما عدي بن حاتم فكان يقول فيما بلغني: ما من رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله حين سمع به مني، أما أنا فكنت امرأ شريفًا وكنت نصرانيًا، وكنت أسير في قومي بالمرباع، وكنت في نفسي على دين، وكنت ملكًا في قومي لما كان يصنع بي.


فلما سمعت برسول الله كرهته،
فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي: لا أبا لك، اعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سمانًا فاحتبسها قريبًا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذني ففعل،
ثم إنه أتاني ذات غداة فقال: يا عدي ما كنت صانعًا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن؛ فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد.

قال: قلت: فقرب إلى أجمالي، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت: ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام.

فسلكت الجوشية وخلفت بنتًا لحاتم في الحاضر،
فلما قدمت الشام أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت،
فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله هربي إلى الشام.

قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها
فمر بها رسول الله فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة
فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك.

قال: "ومن وافدك؟"
قالت: عدي بن حاتم قال: "الفار من الله ورسوله؟"
قالت: ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك،
وقال لي مثل ما قال بالأمس.

قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست
فأشار إلى رجل خلفه أن قومي فكلميه.
قالت: فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك.

فقال صلى الله عليه وسلم: "قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني".

فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن كلميه فقيل لي: علي بن أبي طالب
قالت: فأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة.

قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت: يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ.

قالت: فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام.

قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا.

قال: فقلت: ابنة حاتم؟
قال: فإذا هي هي
فلما وقفت علي انسحلت تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك؟ قال: قلت: أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت.

قال: ثم نزلت فأقامت عندي،
فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟
قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز اليمن وأنت أنت.
قال: قلت: والله إن هذا الرأي.

قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده فسلمت عليه
فقال: "من الرجل؟"
فقلت: عدي بن حاتم

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته
فوالله إنه لعامد بي إليه إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بملك.

قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي فقال: "اجلس على هذه".
قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها.

قال: "بل أنت". فجلست
وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض.
قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك.
ثم قال: "إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا؟"

قال: قلت: بلى.
قال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟"
قال: قلت: بلى.
قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك".

قال: قلت: أجل والله.
قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل.
ثم قال: "لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم
فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه

ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف

ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم".
قال فأسلمت.

قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن؛
وقد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت
ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت
وأيم الله لتكونن الثالثة؛ ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه. هكذا أورد رحمه الله هذا السياق بلا إسناد وله شواهد من وجوه أخر.