دموع التماسيح وصف اعتدنا أن نطلقه على من لا يصدق في بكائه، فكلنا نعرف أن التماسيح لا تذرف الدموع، فهي كالأسماك لا تُوجد في عيونها الغدد الدمعية التي تفرز الدمع الذي نعرفه والمصاحب للبكاء غالباً، والماء الذي يخرج من عيون التماسيح ويحسبه بعضنا دمعاً، ما هو إلا بقايا للماء العالق في عيونها من المكان الذي تعيش فيه، لكن التماسيح على الرغم من بشاعة منظرها وقسوته، تبكي أحياناً صادقة دون أن تذرف الدموع، ودون أن تسعى لخداعنا بماء عالق في عيونها، بينما يُخادعنا كثير من الناس ببكاء كاذب وإن سالت له دموع حقيقية.
والثعلب الذي نقول إنه مكّار وضربنا بمكره الأمثال، هو في حقيقة الأمر مخلوق ضعيف جبان شديد التأثر، يفرض عليه خوفه عند الأزمات أن يُصاب بالشلل التام أو فقدان الوعي، ويظن من يراه أنه ميت فيعرض عنه، هذا الثعلب المكّار كما نقول لم يخادعنا ويدّعي الموت أو الشلل، بينما يمكر بنا ويخادعنا كثير من الناس ممن لا يخافنا ولا تشل حركته فزعاً منا بادعاء ما ليس فيه حتى يصل لمآربه.
وكل الصفات التي نقولها عن الحيوانات، لا تُمثِّل حقيقة ما هم عليه، فالحيوان يمارس حياته بغريزية تامة، لا ادعاء فيها ولا تصنُّع، لا يأكل حتى يجوع، ولا يهجم حتى يخاف على نفسه وحياته، ولا يمكر ولا يخادع ولا يفعل كل ما فينا من صفات ألصقناها بتطرف واضح على مخلوقات تؤكد بما تمارسه بغرائزها أنها أحرص منا على سلامة هذا المكان الذي نسكنه، والواقع يقول إن الذي يخادع ويمكر ويفترس دون مبرر، ويفسد المكان بطمعه وصيده وغلبة ما في نفسه من هوى، هو بكل تأكيد ليس تمساحاً أو ثعلباً أو أسداً مفترساً، لكنه إنسان تعوَّد أن يطلق الصفات على غيره دون أن يرى ما يحدثه في هذا المكان الفسيح في كينونته، والضيق في نفسه هو فقط... والله المستعان.
مواقع النشر (المفضلة)