الحج أشهر معلومات، لا رفث فيه، ولا فسوق، ولا جدال، و لا صخب وإنما أيامه كلها ذكر وابتهال وتقرب إلى الله تعالى، قال -عز من قائل-: ''الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين''.
فمن أخلص حجه من الرياء والإثم و راعى فيه الآداب الإسلامية من حسن الخلق والجود، وإطعام الطعام، والعطف على الفقراء و المساكين ؛ كان حجه مبرورًا مقربًا إلى الله مبعدًا من الشيطان قال- عليه السلام-: ''من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه''، وقال ''العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة''، ويقول- عليه السلام-: ''وفد الله ثلاثة: الغازي، والحاج، والمعتمر''. فليت المسلمين يعلمون الحج وفوائده علمًا ينتج ثمرته ويحقق غايته؛ فيقيموا به ما أعوج من أمرهم، وما انهدم من بنيانهم، وما انحل من أمرهم، وما تناثر من عزهم ومجدهم، وبذلك يرتفع في العالمين صوتهم، ويخشى بأسهم، وتتحد كلمتهم، وتجتمع قلوبهم على ما فيه خيرهم وسعادتهم، وكم لهم من خير عظيم لو تدبروا قول رسولهم الكريم حين خطبهم في بعض مناسك الحج فقال: ''أيها الناس، أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. قال: فأي بلد هذا؟ قالوا بلد حرام. قال: فأي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، فأعادها مرارًا، ثم رفع رأسه فقال: اللهم بلغت، اللهم فاشهد''.
لكن تيار المدنية الجارف، وريحها الصرصر ، وظلماتها الحالكة؛ لنذير شديد للأخلاق والعادات القويمة، ولو لم يتنبه القائمون على حفظ هذا التراث الخالد، ولو لم يضاعفوا نشاطهم، ويفتحوا أعينهم، ولو لم يراقبوا الله في أداء رسالتهم حق الأداء؛ لطفت عليهم هذه السيول الجارفة من الزيغ والأغلال الخلقي والاضطراب النفسي؛ لأصبحوا بعد وقوع الطامة الكبرى عليهم حيارى لا يجدون مرشدًا، وضعافًا لا يجدون ناصرًا، فهم الآن في سعة من الوقت يستطيعون فيه التفكير والتدبير، وربما يصبحون بعد تكاسلهم وغفلتهم في واد من الندم ولات ساعة مندم.
فالنصح لله ولرسوله وللمؤمنين وللقائمين على شأن هذا الدين وتعاليمه أن لا يخشوا في الله لومة لائم، وأن يتواصوا بالحق والصبر، وإن مع العسر يسرًا، ولقد صدق الله- تعالى- إذ يقول: ''وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا''. وفقنا الله لخدمة دينه، و وقانا شر الفتن، و نزغات الشيطان.
مواقع النشر (المفضلة)