مقالات فلسفية لرؤى قصصية ( 1 )
1- لانهر يرجع للوراء
كثيرا ما نحب ( بضم النون وفتح الحاء ) , وقليلا ما نحب ( بضم النون وكسر الحاء ) .
نحب كثيرا لأننا ليس لدينا القدوة لمنع من يحبونا عن رؤية ما يرغبونه فينا ( سواء كانت رغبات مادية من وجهة نظر فرويدية أو معنوية من وجهة نظر رومانسية ) .
ونحب قليلا لأننا نبحث عن شىء محدد لا يملكه إلا شخص واحد فقط ( رغم أنه لايملك كل مانريد ولكننا نكتفى ببعض الأشياء التى تتوافق مع رغباتنا وإحتياجاتنا فتبدأ القلوب فى الخفقان ) .
ملحوظة هامة
لاتعتقد أن من تحبه هو الوحيد الذى يتصف بالصفات التى تريدها , ولا تغرنك نظرية التوافق (ان لكل رجل إمرأة واحدة فقط هى التى تتوافق معه ) ولكن العامل الوحيد الذى يمكن أن تقتنع به هو أن من تحبه الان هو الوحيد فى الفترة الحالية الذى تنظر إليه تلك النظرة التى ترى بها كل ماتريد .
مثال عملى
حاول أن تبعد عمن تحب لمدة أسبوع وتعايش مع الناس وتعايش مع نفسك وفكر فيما يمر بك من أفكار وفيمن يجذبك ممن حولك .
إذا وجدت نفسك مازلت لا تفكر إلا فيمن تحب وأن كل مايدور فى ذهنك حاليا هو ذكرياتك الجميلة معه فاعلم أنه هو الشخص المناسب لك حتى الآن .
أما إذا وجدت العكس وأن هناك افكار غريبة بدأت تفكر فيها , وأن هناك من يجذبك ممن حولك فاعلم أن مرحلة الحب الحالية هى مرحلة مؤقته وأن قطار من تحب سيصل قريبا إلى محطته الأخيرة ليهبط منها ويصعد حبيب اخر .
لانهر يرجع للوراء !
هل نهبط فى نفس النهر مرتين ؟
هل الموجة التى تصدمنا هى نفس الموجة التى تهرول من بعيد كى تصدمنا مرة ثانية ؟
الاجابة الطبيعية لا .
لذا من يتمنى أن يعود النهر مرة ثانية للوراء ليتمتع بنفس إحساس المياه التى كان فيها من قبل لهو واهم وسيظل ينتظر عودة النهر حتى يتبخر من أمامه .
ساعتها سيقتنع فقط أن النهر لن يرجع أبدا للوراء .
تجذبنا الذكريات دوما إلى شاطىء الماضى فنظل نتذكر أننا ( كنا ) , وانه ( كان ) , وأن ما ( سيكون ) لن يكون مثلما
( كان ) الذى ( كان ) .
( لاحظ معى كم تكررت ( كان ) بكل أشكالها ) .
الذكريات بالنسبة لمن كان يحب كالمرض الذى كلما ضرب الجسد عانى صاحبه من الألام فيجرى سريعا على الطبيب عله يجد له الدواء .
ولكن مرض ( تذكر من كنا نحبه ) ليس له طبيب ولكن له دواء وحيد هو ( النسيان ) أى يمكننا القول أن
( دواء ما كان هو النسيان ) .
ولكم من منا يملك تلك الممحاة السحرية التى يستطيع بها أن يمحو تلك الذكريات الحزينة .
ملحوظة أخرى .. ( ذكرونى أن أتخلص من تلك العادة)
ما زلت أحلم بأن أكتب رواية طويلة وأخيرة بعنوان ( ماسح الذكريات ) .
ونعود لقصتنا التى يستيقظ صاحبها فى أحد الأيام ليجد أن كل شىء قد عاد ( ملابسه القديمة التى كانت تحبها – عطرها يفوح من درج مكتبه -, كل الغرفة تتأمر عليه ) .
واجه ذلك بترديده الدائم المتكرر ( الذى إشتكى منه الكثيرين ) أنه ( لا نهر يرجع للوراء ) .
حتى الرسالة التى وصلته يجد فيها ( قد يرجع النهر يوما للوراء ) .
هناك من يحاول أن يقنعه بالمستحيل ولكنه يصر على أن المستحيل لن يحدث , وأن ( الميتافيزيقا )
( قال لى أحد القراء أنت تفرد عضلاتك علينا بسبب تلك الكلمة ) ليس لها مكان عنده أو فى حياته .
يطرد كل الأفكار التى تطارده من رأسه ويحاول أن يكمل طريقه .. ولكن ما بدأ بطريقة غير طبيعية لابد وأن ينتهى بطريقة غير طبيعية أيضا .
يجدها فى الأتوبيس ولكنها لاتراه , يحاول الوصول إليها ولكن شيئا ما يمنعه ..تهبط فيتحرك الأتوبيس حركة عكسية ويقترب منها بسرعة ليصدمها يحاول لأن ينببها لكن صراخه بلا صوت , ولكنه يصر على الصراخ .
ليستيقظ ويكتشف أن المستحيل لا يحدث إلا فى الأحلام .
عندما نتمنى أن تعود الذكريات فنحن نحلم وحلمنا شرعى ولكنه حلم شرعى بلا مأوى لأنه من المستحيل أن يتحقق .
( إهبط فى النهر كما تشاء , ولكن لا تحلم أن يعود النهر يوما للوراء ) .
مواقع النشر (المفضلة)