وصل الإسلام إلى أمريكا اللاتينية في الأيام الأولى لاكتشافها ( 12 أكتوبر/تشرين الأول 1492م) وتؤكد المخطوطات الإسلامية في البرازيل وكوبا وهايتي، أن المسلمين استقروا في هذه الأراضي قبل أن تتوجّه إليها الكشوف الجغرافية التي بدأها البحار الإسباني كريستوفر كولومبس، وقد أسس المسلمون في هذه المنطقة حضارة إسلامية راقية، كما نشروا الإسلام بين السكان الأصليين من الهنود الذين تجاوبوا مع دعوة الإسلام، فكانت لهم حضارات إسلامية متنوعة مثل: الماياس والأزنيكار والأنكاس والأوناس، ولها انتشار واسع في معظم دول القارة، وتؤكد الدراسات والبحوث أنه عند اكتشاف القارة الأمريكية كان بين طاقم السفينة التي قادها كولومبس بحارة مسلمون نظراً لتفوقهم في علم الفلك، وتخصصهم في الملاحة وصناعة السفن آنذاك.
أما الهجرة الثانية فكانت بين عامي 1850 1860 من سوريا ولبنان وفلسطين، وشهدت أمريكا الجنوبية أكبر الهجرات في أوائل القرن الماضي، على إثر الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكانت قسرا أو هربا من ظلم الحكم أو بحثاً عن مصادر جديدة للرزق في العالم الجديد الذي كانت أخباره تؤكد أنه منطقة كنوز الذهب، وتميز المهاجرون المسلمون إلى أمريكا اللاتينية بقدرتهم على التكيف مع الأوضاع والبيئة التي هاجروا إليها مع الاحتفاظ بشخصيتهم وهويتهم الثقافية والحضارية، وقاموا بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الإسبانية أكثر من مرة، مما ساهم في اعتناق آلاف من مواطني القارة للإسلام.
مزار دائم
تحول مركز فهد الثقافي في العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس إلى مزار دائم لجميع مسلمي أمريكا اللاتينية، لتعلم اللغة العربية ومبادئ الإسلام، إضافة إلى البرنامج القوي لوزارة الأوقاف الكويتية لطباعة المصاحف المترجمة إلى الإسبانية، وكتب التراث الإسلامي، وتعمل الوزارة على تفعيل التعاون مع الأزهر الشريف لدرجة أن هناك أكثر من (50) داعية ومقيم شعائر ينتشرون في دول أمريكا اللاتينية.
الوجود الإسلامي في الأرجنتين بدأ من (140) عاماً؛ إذ بدأت الهجرات الإسلامية إليها من بلاد الشام، (سوريا ولبنان وفلسطين)، ولكن هذه الهجرة ما لبثت أن انقطعت لمدة طويلة حتى تفوّق المسلمون من غير الأصول العربية من باكستان وبنجلاديش والهند، حيث وصلت نسبتهم إلى 55% من أعداد المسلمين هناك، يقابلهم وجود عربي بنسبة 45 %، ويعيش المسلمون في الأرجنتين والذين يبلغ تعدادهم أكثر من (900) ألف مسلم في وئام تام وكامل مع شعبها الذي يعشق العروبة، ويبدي ارتياحا شديدا للمسلمين، وقد استفاد المسلمون هناك من هذه الأجواء في انتزاع حقوق عديدة حتى إن الأرجنتين هي الدولة الوحيدة في أمريكا اللاتينية التي تعطي إجازة رسمية لمسلميها في عيدي الأضحى والفطر، وخصصت مصلى كبيرا في مطار بيونس أيرس ويمارس المسلمون شعائرهم في حرية تامة، ويشارك كبار المسؤولين في البلاد في أعيادهم، ولا توجد أي قيود على بناء مؤسسات إسلامية، من مساجد ومراكز ثقافية، وقد كرّست هذه الحرية نجاح اندماج المسلمين في المجتمع الأرجنتيني. رغم أن اللوبي الصهيوني في الأرجنتين يُعدّ ثاني أكبر لوبي في العالم بعد اللوبي “الإسرائيلي” في واشنطن، لكنه فشل في إثارة قلق مسلمي الأرجنتين واستعداء الدولة عليهم بسبب قوة الجالية المسلمة هناك؛ حيث يعمل أغلب المسلمين في مؤسسات قوية كالجامعات والمراكز الاقتصادية، ويلعبون دورا كبيرا في مجال التجارة، ومن ثم فإن اللوبي الصهيوني برغم قوته لم يفلح في استعداء الدولة والشعب عليهم، ولصعوبة هذه المسألة لجأ إلى إقامة الصلات مع مسلمي الأرجنتين، وهو ما حدث أثناء أزمة الرسوم المسيئة، إذ صدر بيان أدان فيه مسلك الجريدة الدانمركية وأعلن وقوفه التام إلى جانب مسلمي الأرجنتين في هذه الأزمة.
ثقافة واسعة
الأجيال الناشئة والشابة حالياً تتمتع بثقافة إسلامية واسعة، وهناك إقبال نسبي على تعلم اللغة العربية، وارتياد المراكز الإسلامية لتعلّم أحكام تلاوة القرآن، لكن المشكلة تكمن في قلة الدعاة الذين يجيدون اللغة الإسبانية، وندرة الكتب المترجمة إلى اللغة نفسها، وهو أمر تحاول علاجه رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أسيسكو) ، كما تتعاون (الأسيسكو) مع المنظمة الإسلامية لأمريكا اللاتينية لتفعيل الوجود الإسلامي في القارة، وإنشاء المزيد من المؤسسات والمنظمات الدعوية الإسلامية في الأرجنتين، خصوصا، وأمريكا اللاتينية عموما، كما وضعت خططاً تهدف إلى العمل على تأهيل مديري ورؤساء الجمعيات والمراكز اللاتينية للقيام بدورهم في تحسين العلاقات مع مفاتيح المجتمع وتطويرها، وسيكون لها صدى مؤثر في وسائل الإعلام، وتعاملها مع القضايا الإسلامية، وبث الرسالة والصورة الصحيحة عن الإسلام، ونشر الثقافة الإسلامية، والتحالف بين الحضارات.
مواقع النشر (المفضلة)