هل يمكن أن يستعيد مريض الشلل قدرته على المشي؟
يمشي الانسان بطبيعته، لكن الحركة الميكانيكية للمشي عند معظم الناس بعيدة جدا عن المشي الرياضي، فطريقة المشي موزعة بين حركات القدمين مع ثني مفصل الركبة قليلا، ويكون باطن القدم على سطح الارض كاملا، ويتأرجح الذراعان اماما وخلفا عكس حركة الساقين مع زيادة حركة التردد، ويعد المشي على امشاط الاصابع من اهم الاخطاء الشائعة في المشي الرياضي الذي يسبب الاجهاد العضلي وبعض الاصابات.
ويبدأ المشي الرياضي بالقانون الطبيعي للوقوف والعمل علي اطالة العمود الفقري ومن دون استقامة المنحنيات الطبيعية في منطقة الرقبة والوسط والظهر، مع استرخاء وتوازن بين جميع عضلات الجسم الامامية والخلفية والجانبية، والهدف من المشي الاتجاه الى الامام، لذلك يجب عدم زيادة الحركة من السطح الجانبي للجسم، وتحديدها بين الذراعين والساقين مع تقليل حركة الجذع. ولتطبيق هذا قف معتدلا في احسن وضع للقوام، ثم ابدأ المشي بوضع كعب القدم على الارض ثم ادفع بالابهام، وتكون حركة القدمين موازية لسطح الارض، ويعتمد طول الخطوة على مرونة مفصل الفخذ وطول القدمين وسرعة الخطوة ونوع الملابس.
اما بالنسبة لحركة الذراعين، فيجب ان تتأرج بحرية وسهولة من مفصل الكتف في اتجاه حركة القدمين، وتعتمد مسافة ارجحتهما على مسافة الخطوة. وليس هناك من يقف معتدلا وصحيحا، ولذلك ليس هناك مشي نموذجي، لتدخل البناء الهيكلي للجسم، والمواصفات التشريحية الشخصية للإنسان. والمشي الرياضي عبارة عن حركات ذات ايقاعات متواصلة ومستمرة للنموذج الميكانيكي نفسه لحركة العضلات في الساقين.
وعندما نبدأ المشي، يمين - يسار بحركة منتظمة لا نبذل جهدا في انتظامها، فمن المسؤول عن تنظيم هذه الحركة وتنسيقها في اجسامنا؟ اي الاعضاء له هذه القدرة على ضبط هذه السيمفونية المتكاملة لأجسامنا؟
انها مجموعة متشابكة ومعقدة من الاعصاب المرتبطة بالحبل الشوكي وتعطى اشارات لتنسيق وتنظيم هذه الحركة. وفي هذا السياق يجرب الباحثون الآن تقنية جديدة لتمييز الاعصاب الموجودة في الحبل الشوكي والتي تتحكم في الخطوات المتتابعة يمينا ويسارا خلال عملية المشي. وقد توصل الباحثون الى نتائج جعلتهم على بعد خطوات من الفهم الكامل للدائرة العصبية التي تنسق حركات المشي، والتي سوف تكون مهمة جدا في تطوير علاجات جديدة لمرضى الشلل، وبناء عليه فإن استعمال هذه التقنية الجديدة سوف يزيد من معرفتنا عن شبكات الاعصاب المتخصصة في الحبل الشوكي، وبالتالي من معرفتنا للدائرة العصبية المسؤولة عن الحركة في الحبل الشوكي. بالاضافة الى ان الفهم الجيد لهذا الموضوع سوف يكون له دور حاسم في تطوير اساليب جديدة لإعادة الوظائف الحركية التي تتوقف نتيجة الشلل الناتج عن اذى او مرض في الحبل الشوكي.
ويعمل الباحثون على تعريف هذه الاعصاب، وبالتالي ايجاد تطبيقات يمكن ان تكون مفيدة في تعريف الدائرة الداخلية في الحبل الشوكي، المسؤولة عن العمليات الاخرى مثل علمية التنفس، بالاضافة الى حركات لا ارادية اخرى تدخل ضمن مجال عمل الدماغ. وقد نشر فريق البحث في جامعة كولومبيا بحثا في مجلة 'اعصاب' Neuron يهدف الى تعريف الاعصاب التي تدخل في دائرة تدعى 'محرك النموذج المركزي' والتي تولد اشارات الحركة المتناسقة يسارا - يمينا، والتي تجعل المشي ممكنا.
ويقول الدكتور كولدنغ ان لدى الناس معرفة بأن الأعصاب المحركة الموجودة في هذه الدائرة تؤدي إلى عمل العضلات، لكن لا احد يعلم ما هي الاعصاب الداخلية الموجودة ضمن الاعصاب الحركية والمسؤولة عن تنظيم عملية المشي المنسقة، والدراسات التشريحية السابقة لم تزود بأي جزئيات او وظائف مهمة يمكن ان تعمل على تمييز هذه الأعصاب الداخلية. وكانت دراسة سابقة قد ذكرت ان مجموعة من الاعصاب الداخلية تدعي VO'في أو' تحتاج الى مفتاح جيني يدعى DBX1 ليطور فعالية هذه الاعصاب، ومثل هذه المفاتيح الجينية (والتي تسمى ايضا بعوامل النسخ) تتحكم في فعالية مجموعة من الجينات خلال فترة تكوينها في الجنين.
ويحاول د. كولدنغ وفريق بحثه اكتشاف ما إذا كانت الاعصاب الداخلية VO تشارك بشكل حقيقي في مولد النموذج المركزي المتحكم في تناغم المشي يمينا ويسارا، وذلك من خلال الدراسات الالكترو وظيفية على الحبال الشوكية للفئران، وقد وجدوا ذلك. فطالما ان الحبال الشوكية طبيعية، فهي تظهر فعالية الكترونية مثالية من قبل الاعصاب الحركية بالنسبة لتناسق حركة المشي يمينا ويسارا. اما بالنسبة للفئران المحورة جينيا، والتي فقدت المفتاح الجيني DBX1، فقط اظهرت حركات غير طبيعية عند التحفيز، وهذا النموذج من الحركات غير الطبيعية سيكون صفة مميزة للمشي غير المنسق في حالة الفئران التي عانت من طفرة جينية في DBX1.
ويرى العلماء ان هذه بداية لما يعرف بالحصاد الكبير لمعرفة جديدة من خلال استخدام هذا لمجال، فاستخدام هذه التقنية الجينية سيميز في البداية الاعصاب الداخلية من نوع VO فقط، والتي ستمثل البداية لما يتفرع من تقنيات ستعمل على تعريف مواد خاصة في الاعصاب الموجودة في الدماغ، والحبل الشوكي.
ويعتقد ان هناك مجاميع كثيرة مختلفة من الاعصاب الداخلية التي لدى كل مجموعة منها هوية جينية مستقلة، وهناك واحدة من هذه المجموعات يمكن ان تصنع جزئيات تتدفق في سبيل اصلاح هذه الاعصاب.
وربما تساعد هذه التقنيات التعريفية والاصلاحية العلماء على تطوير خطط طبية سريرية لاعادة تشغيل الحبل الشوكي. ويقول د. شيسيل ان جزءا من مشكلة اعادة القدرة على الحركة عند المرضى المصابين بأذى في الحبل الشوكي، هي في كيفية اعادة تأسيس الارتباط بين الدماغ والحبل الشوكي، عدا جزءا آخر من المهم جدا الوصول اليه وهو الفهم الكافي لأنظمة الحركة في الحبل الشوكي، والذي يؤدي الى عملية اعادة تشغيل الوصولات بشكل صحيح لانجاز الوظائف، ويضيف ان هذه التقنية تمثل خطوة صغيرة باتجاه معرفة مفهوم التحكم في الاعصاب الداخلية للحبل الشوكي.
وعندما ندرك هذا المفهوم سيكون لدينا الاساس في كيفية صيانة الحبل الشوكي المحطم، من خلال اعادة تشغيل الاعصاب الداخلية، وبالتالي اعادة الوظيفة الأساسية للحبل الشوكي.
وستمكن تقنيات التعريف الجيني الباحثين من التمييز بين أنواع الاعصاب التي لها تأثير في نماذج الحبال الشوكية المصابة عند حيوانات المختبر والتي تهم ايضا في اعادة تشغيل وظائف الحبل الشوكي. وربما تمكن هذه المعرفة من اختيار أماكن للتركيز عليها لاعادة نمو بعض المركبات الأساسية في الحبل الشوكي المصاب.
مواقع النشر (المفضلة)