لا تغير الموضات الحديثة أصالة الملابس القديمة، ومع بقاء العباءة والجلابية والعقال وترميزها العميق للأزياء العربية الأصيلة، يبقى الشماغ بالمقابل ليكون رمزاً لأصالة دائمة بعد استمرار وجوده في شتى المجتمعات الصحراوية والبدوية، وفي مناطق غير قليلة من الحياة المدنية. وفي دمشق لا تتوقف صناعة الأشمغة، وتتطور حسب الزمن والخيوط الموجودة والألوان الجديدة الوافدة على الألوان القديمة، ولكن يظل لبعض نقوشها وألوانها وخطوطها المعهودة الرواج الأساسي، بينما الطلب على هذه المصنوعات يشتد من عدة بلدان عربية ومناطق محلية، وخاصة في الشمال والجنوب من سوريا. ويطلق عليها أسماء أخرى لتظل في النهاية مشيرة إلى غطاء الرأس المنتمي إلى الماضي الأصيل المستمر في الوجود رغم تحولات الحياة وانتماءاتها المعاصرة.
ورغم تعدد الألوان يظل اللون الأحمر أساسياً لصناعة الشماغ، ويسود اللون الأبيض عند صناعة “الغترة”، وتبقى للبيضاء مكانة متميزة، فهي أنيقة وبحاجة إلى عناية لا يحتاجها الشماغ الداكن الألوان غالباً، والمتميز بأنه صنع ليكون عملياً. وفي السعودية، الشائع هو الشماغ الأحمر، وفي الإمارات يفضلون الغترة البيضاء، ويستعمل العمانيون شماغ الكشمير الصوف والملون المعتمد على الأخضر والبني أكثر من الألوان الأخرى، وفي العراق اللون الأسود هو المفضل، وخصوصاً في الشمال والجنوب، بينما يفضّل أهل الوسط الشماغ الأحمر، أما في سوريا فيستخدم اللون الأحمر في مناطق الجنوب، بينما يفضل أهالي الشمال الأسود.
وتؤكد الوثائق الراصدة لتطور موضة الملابس عبر القرن الماضي أن الشماغ الأحمر أخذ لونه من لون الطربوش التركي الأحمر الذي كان منتشراً في البلاد العربية، وشكّل غطاء دائماً للرأس خلال فترة زمنية طويلة، غير أن تغيّر الأذواق، بالإضافة للبحث عن الجديد، جعل الشركات المصنعة تدخل تغييرات كثيرة على شكل الخطوط المنتشرة بطرق فنية عدة فوق أطراف الشماغ، حيث يتم تغييرها بين فترة وأخرى، لمواكبة الموضة المستجدة، ولكن هذه الموديلات الجديدة تجذب جيل الشباب أكثر من الكبار الذين يحرصون على الالتزام بالأشمغة القديمة، ويرون أن الرسومات والخطوط الجديدة تفقد الشماغ تميزه وجاذبيته وأصالته المعهودة.
وتعد الغترة الحمراء وسيلة أساسية لتغطية الرأس في الشتاء، فإضافة إلى أنها تؤمّن الحماية والدفء لا تحتاج إلى عناية خاصة أثناء الغسيل والكي كما تحتاج الغترة البيضاء. وتصنّع الأشمغة عادةً من القطن المخلوط بالبوليستر، بينما تكون الغترة البيضاء مصنّعة من القطن الخالص، أو تدخل في صناعتها كمية قليلة من البوليستر لحمايتها من الكوي المستمر.
طرق التصنيع: وللتعرف الى طرق التصنيع لابد من زيارة سوق مدحت باشا في دمشق القديمة، حيث تكثر محال البيع وورشات التصنيع، ويؤكد باسل محبّك، وهو صاحب محل مخصص لهذه الملابس، أن صناعة الأشمغة والغترات ظهرت في سوريا في بدايات القرن الماضي، حيث كانت مشاغل دمشق من أهم المصانع التي تصنع هذه الشماغات في الوطن العربي، ولها سوق رائج في مختلف البلدان العربية، وتعد جزءاً من التراث الشعبي، وتضاهي هذه المصنوعات مثيلاتها الأوروبية. وفي ورشة المحل ظهرت الأنوال الخشبية التي تقوم بصناعة الأشمغة، وعنها يقول: “هذه الأنوال خاصة بالأشمغة ومن الصعب جداً أن تقوم بتصنيع أقمشة أو ملابس أخرى. وفي سوريا حوالي 250 نولاً مخصصة لتصنيع الأشمغة، وهذه الأنوال استوردت في أعوام1941 و1952 و1956 و1969 و1973 و،1974 ويعرف أهل المهنة طرق إنتاجها وقدراتها الصناعية بشكل جيد، فالأنوال التي استوردت في السبعينات هي أنوال آلية، ومن المعروف عند أهل هذه الصناعة أن النول موديل 1974 هو من النوع القابل للعطل السريع عند تقلّب التيار الكهربائي، لذلك اعتبر أهل المهنة أن صناعة هذا النوع غير ناجحة”.
وعن الأنواع الحديثة يقول إن إمكانية استيرادها صعبة لأنها مرتفعة الثمن جداً، مقارنة مع نسبة إنتاجها لذلك لم تدخل حتى الآن، بينما فعالية الأنوال القديمة وقدرتها على المنافسة جيدة جداً وتقوم بالعمل المطلوب بشكل ممتاز، ويضيف: “الحرفيون أصبحوا قادرين على تصنيع “خراطة”، أي جزء خشبي، أو حديدي معطّل، بالإضافة إلى قدرتهم على تعديلها، ومنذ فترة قصيرة قمنا بإضافة آلة الجاكار إلى النول من أجل الحصول على التطريز الحريري على حواف الشماغ، وتمت الإضافة بأيادي حرفيين محليين. أما بالنسبة للمنافسة فإننا نملك أفضل الحرفيين لتصنيع الأشمغة والغترات، بالإضافة إلى خبرتنا باحتياجات المنطقة العربية، بينما المصنعون الأجانب لا يعرفون ما هي المتطلبات الخاصة بكل جزء من أجزاء منطقتنا، ونحن نعرف مثلاً أن العراق يعتمد على نقشة عراقية للأشمغة السوداء تختلف قليلاً عن النقشة الفلسطينية المعروفة بنقشة عرفات”.
مواقع النشر (المفضلة)