((( الخرساء )))
قبل أيام معدودة من وفاته , دعا حامد أخيه مسعود ونفر قليل من أهل القرية من توسم فيهم الخير قائلا ً لهم :
هذا أخي وأنا لا املك بعد وفاة زوجتي إلا هذا الطفل الصغير وهذه الأراضي الشاسعة وإني قد أشهدتكم على أن خراج هذه الأرض ملك له على أن يقوم بتربية ولدي تربية صالحة وأن يقوم على تعليمه ولا يسلمه إياها إلا أن يبلغ العشرين من عمره على أن يأخذ الربع منها نظير وفاءه والله على ما ا قول شهيد .
مرت السنوات وبدأ ناصر يقوى عوده وبدأ الغرام يتغلغل في شرايين دمه فبنت عمته فاطمة كانت قد هامت بحبه هياما منقطع النظير وهو أيضا ً كان يبادلها نفس الشعور .
دارت الأيام وشارف ناصر على العشرين ولاحظ عمه تلك الإبتسامات المتبادلة بين أبنته وإبن أخيه وبكل مكر وخبث وقبل انقضاء المدة المحددة له من أخيه لتسليم الأراضي لناصر هجر تلك الأرض وأخذ يزاول تجارته في مجالات أخرى وبارت الأرض وكثر ت بها الأشجار وأصبحت لايستفاد منها بشيء وهي على تلك الحالة .
في أحد الأيام دعا مسعود ولد أخيه وقال له :
لقد كبرت ياولدي ولا أرى لك مكانا ً بيننا وكلام الناس لايرحم فعند صباح الغد أحضر أربعة شهود لكي أسلمك أمانة أبيك فلا حاجة لي بها بعد أن كبرت ووفيت بوعدي لأخي .
تألم ناصر كثيرا وأخذا ينظر إلى أراضي أبيه فإذا بها تخيف كل من يمر بجانبها وراودته فكرة الزواج من فاطمة ولماذا لايدفعها مهرا .
تقدم لعمه قائلا ً :
لقد كانت هذه الأراضي جميلة وأنني لاأريدها فلماذا لاتأخذها على أن تقبلها مهرا لفاطمة وتستصلحها مرة أخرى ؟؟
هنا وقف عمه هائجا ً وأخذته العزة بالأثم وقال له مخاطبا ً :
لقد تجرأت كثيرا ً بخطبتك لفاطمة وأنت تعلم بأنك لن تتزوجها حتى ولو بلغت عنان السماء وحتى لو نكحت الثريا سهيلا ... وهذه وثيقة أراضي أبيك خذها وأخرج من بيتي ولاتعد إليه مرة أخرى .
كانت فاطمة تسمع الحوار بين أبيها وحبيبها إبن عمها ناصر وعندما هم بالخروج نادته فاالتفت إليها وسالت دمعتين على خده وواصل مسيرة .
خرج ناصر ولايدري إلى أين يذهب وأخذا ينظر إلى أرض أبيه فإذا هي قاحلة مجدبة . ... وبينما هو كذلك إذ قدمت سيارة مسرعة ولم يك يعلم أو يعي بأنه يسير أو أن خطواته ترتاد ذلك الدرب المجهول فأرتطمت به وسال دمه على ذلك التراب الطاهر وحمل إلى المشفى وهو لايعي .. وبعد الكشف عليه أتضح بأن لديه كسر في الجمجمة وإرتجاج بالمخ وبقي على حالته تلك وحيدا كئيبا .
وصل إلى مسامع فاطمة ماحدث لإبن عمها وأستعطفت أباها مرارا ً وتكرارا ً لزيارته ولكنه أصر على الرفض .
بعد مضي أسبوع وبينما فاطمة غارقة في التفكير لعلها تهتدي إلى طريقة يوصلها إلى حبيبها وهي في فناء منزلهم إذ طرق الباب جماعة من الناس وهنا هب والدها واقفا ً وأخذا يكيل من عبارات الترحيب ماجعل فاطمة يخالجها الشك .
وصدق هاجسها فهؤلاء النفر قدموا لخطبتها ...
بعد مرور قرابة الساعة قدم أبيها وناولها مبلغا ً من المال وقال لها :
أذهبي الان مع أخيك إلى السوق وأشتري لك ذهبا ً وماترينه مناسبا ً لكي تظهري أمام خطيبك بصورة رائعة وهيئة حسنة .
طرأت على فاطمة فكرة شيطانية وأبدت لأبيها رضاها وخرجت من المنزل ...
طلبت من أخيها أن يخرج السيارة من مكانها وعندما أدار محركها للخلف وبكل شجاعة وضعت فاطمة رجلها اليسرى تحت عجلة السيارة فتهشم ساقها .... وهنا صاحت ... خرج الكل راكضا ً وقد هالهم ذلك الصوت وتم نقلها إلى المشفى الذي يرقد فيه إبن عمها ناصر .
عاد مسعود إلى منزله مهموما وبينما هو كذلك إذ بطارق يطرق الباب ...
مرحبا ً تفضل .
هل أنت مسعود ؟؟؟
نعم .
لقد بحثنا عن منزلك كثيرا ً ولكن أين ولد أخيك ناصر ؟؟
أندهش من سؤاله وقال له :
مالذي تريد به ؟؟
قال : لقد تبنت الدولة مشروعا ً تعليميا ً ضخما ً وكانت أرض إبن أخيك ناصر هي أنسب بعد أن رأت لجنة المعاينة ذلك . وقد رصدت مبلغ عشرة ملايين ريالا ً كتعويضا ً له .
تبسم مسعود وقال :
لابأس سنذهب سويا ً إلى ناصر فهو يرقد حاليا ً بالمشفى لوعكة صحية ألمت به .
عند باب المشفى طلب مسعود من المندوب أن ينتظر لحين عودته .
ذهب إلى فاطمة وأبدى على وجهه علامات الحزن وقال لها مخاطبا ً :
لقد قسوت على ناصر كثيرا ً وعليك أيضا ً ولكن أعدكما أن يكون يوم خروجكما من المشفى هو يوم زفافكما . أخلعي الان ملابسك وأستبدليها بأخرى وألحقي بي فأنا بغرفة إبن عمك ناصر .
تعجبت من ذلك ولكنها أستشهدت بقول الشاعر :
مابين غفلة عين وأنتباهتها // يغير الله من حال ٍ إلى حال
أرتدت ملابسها ومشطت شعرها وجعلت الكحل يغزو الرموش المظاليل وركبت عربتها وأنطلقت فرحة .
كان أبوها والمندوب قد سبقاها إلى غرفة ناصر وعندما شارفت على الوصول رأت ذلك الرجل وهو يمسح في عينيه وكان خارجا ً من غرفة ناصر فسألته قائلة :
بربك ماالذي جرى ؟؟
أجابها قائلا ً : الشخص والذى يدعى ناصر قد أنتقل إلى رحمة ربه .
وهنا صاحت فاطمة صيحة أرتجت لها جنبات المشفى وأغمي عليها فلم تفق الا وهي خرساء .
************
10 / 04 / 1428 هـ
السعودية // أبها
مواقع النشر (المفضلة)