الخفاش كائن فريد في تركيبته الفيزيائية التي تجمع عناصر متنوعة، فهو من الطيور لأنه يطير بجناحيه الواسعين الشبيهين بأجنحة كائنات ما قبل التاريخ، كما أنه يشبه الكائنات الولودة لجهة التناسل، وفي رأسه المدور العديد من الاستعادات الشكلية الوامضة للأشكال الحيوانية ابتداء بالفأر ومرورا بالثعلب، وحتى الحيوانات الافتراسية بأشكالها المختلفة كالنمر والقط.
هذه الصفات ترينا كيف يتمتع الخفاش بجماع مشوّه لعناصر متعددة، الأمر الذي يفسر لنا محدودية تطوره باتجاه واحد، فهو غير متّسق في تمثيله لنوع حيواني واحد، وهو افتراسي بقذارة، يستخدم نابيه في امتصاص الدماء، ويلجأ الى تخدير موضعي لمكان امتصاصه للدماء حتى لا تشعر الضحية بالألم، مستخدماً النفخ في تخدير ذلك الموضع مما يدل على أن أنفاسه مسمومة، وهو إلى ذلك ظلامي لا يطيق الضوء بل ينتظر حلول الظلام الدامس ليخرج من وكره الكئيب الشبيه بالسراديب المظلمة الرطبة، قذرة الرائحة.
يصنف الخفاش باعتباره من فصائل الطيور، لكنه الى ذلك من المفترسين مصاصي الدماء، كما انه يولد أعمى ويعيش أعمى، ويسترشد في طيرانه الليلي بقرون استشعار صوتية دقيقة تدله على الطريق في غمرة طيرانه العشوائي. لقد حير الخفاش العلماء في تصنيفه ضمن مراتب الحيوانات، تماماً كما نحتار في تصنيف بعض البشر والذين ورد في حقهم المثل القائل: “مثل النعامة لا طيرٌ ولا جملُ”، فهذا النفر من الناس ليسوا طيوراً فيطيرون، وليسوا دواباً تمشي على الأرض فيرسخون، وبهذا يفقدون السجايا الحميدة للمحلّقين والراسخين أيضاً.
اذا ما افترضنا أن الخفاش من فصائل الطيور فإننا نستطيع وضعه في أسفل السلّم المراتبي من حيث السلوك والسجايا، بالرغم من كونه فريداً في نوعه الفيزيائي الذي يشتمل على عناصر متعددة، والقاسم المشترك الأعلى بين الخفافيش والفئران أنهما الحيوانات الأكثر طلباً في معامل الأبحاث البيولوجية، والسبب أنهما حيوانين يتمتّعان بحصانة استثنائية ضد الإصابة بالأمراض، فيما يمكنهما نقل أخطر الأمراض في ذات الوقت، وتلك صفة مشتركة للكائنات التي امتلكت مناعة طبيعية بحكم عيشها في أكثر البيئات قذارة واعتماراً بالفيروسات، وهو أمر مرصود أيضاً على مستوى البشر، حيث يتمتع المقيمون في بيئات قذرة بالمناعة، والعكس بالنسبة لمن يعيشون في بيئات نظيفة.
الخفافيش والفئران من أدنى الكائنات الزاحفة والطائرة، بالمعنى البيئوي الحياتي، فالفئران تعيش في أي مكان مستقذر، لكن الخفافيش تتجاوز ذلك للعيش في أوكار الظلام والنتانة المطبقة.
وفي عوالم الإنسان بعض من الكائنات الخفاشية المحبة للظلام والهاربة من منابع الضوء والنور، وهذا النفر من الناس يتمتع بذات الخصال التي تميز الخفاش، من حيث انهم يعيشون حياة خفائية، يمارسون الغموض غير الحميد، ولا يرون من الوجود إلا ما يتناسب مع مقاييس نفوسهم المريضة، وهم أيضاً افتراسيون لا يفرقون بين لحوم البشر والذبائح، فينهشون أقرب الناس اليهم بالغيبة والنميمة، ولا ينامون الا وقد ملؤوا نفوسهم بمشاريع للتدمير والإيذاء، فلا يقر لهم قرار ان لم يمارسوا هواياتهم اليومية المفارقة للطبائع والسويّة البشرية.
الإنسان الخفاش يتمتّع أيضا بمواهب فيزيائية تجعله مصاص دماء.. إنسان مستغل، خبيث، لئيم، يرى في الاعتداء على الغير هدفاً يتناسب مع راحته الداخلية.
هذا الانسان الخفاش يكمن كالحشرة المتشرنقة عندما تكون الأحوال طبيعة، وينتعش في الظروف المتقلّبة، لا يحب المجتمع السوي المحكوم بالنظام والقانون، بل ينتعش في أيام الحروب والقلاقل، ولهذا فإن أمراء الحرب والساديون، وتجار الحرب ينتمون للإنسان الخفاش، لا يهزمهم سوى الضوء، ولا يرون أبعد من قرون استشعارهم الخفائية المريضة.
مواقع النشر (المفضلة)