هي بريرة بنت صفوان، واحدة من اشهر خدم النبي صلى الله عليه وسلم من النساء. واكثر العلماء على ان اسم بريرة مشتق من اسم ثمر شجر الاراك الذي ينبت في بعض اجزاء الجزيرة العربية ويؤخذ منه عود السواك، واذا اطلق البرير فهو يشمل عموم ثمر الاراك وهذا الثمر أحمر داكن جميل المنظر، لكن العرب يقصدون من عموم ذلك: الثمر الغض، وهو حلو كان العرب يجمعونه للاكل ان لم يجدوا طعاما سواه، وهذا الثمر عجمة مدورة صغيرة اكبر من الحمص قليلا وعنقوده يملأ الكف..
وقال بعض العلماء: ان بريرة مشتقة من البر وهو الاحسان، فهي فعيلة بمعنى مفعولة. او انها بمعنى اسم الفاعل اي هي بارة محسنة.
كانت بريرة مولاة لعتبة بن ابي لهب او مولاة لقوم من الانصار.. وقد اختلف في اصلها هل كانت جارية حبشية ام قبطية؟
لكنها كانت مسلمة كما انها كانت تترد عل بيوت النبي صلى الله عليه وسلم عامة وعلى بيت السيدة عائشة رضي الله عنها خاصة.
قال ابن حجر: وقد اشار بعضهم الى انها كانت تخدم عائشة بالاجرة وهي في رق مواليها، وقد عرضت بريرة على مواليها ان تكاتبهم اي ان تدفع لهم قيمة رقبتها ليعتقوها فقبلوا. وهذا تأمل على طموحها نحو الحرية وتطلعها اليها مع انها لا تملك شيئا، لكنها كانت تزل ان تعمل فتكسب المال من جهة كما تأمل ان يعينها من تتوسم فيهم الخير من المسلمين.. وقبل موالي بريرة مكاتبتها لكنهم اشترطوا عليها اذا ما اعتقوها أو اشتراها منهم اخرون ان يبقى ولاؤها لهم.
جاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت بريرة الي فقالت: يا عائشة اني قد كاتبت اهلي على تسع اواق في كل عام اوقية فأعينيني. ولم تكن قد قضت من كتابتها شيئا. فقالت لها عائشة: ارجعي الى اهلك فإن احبوا ان اعطيهم ذلك جميعا ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت الى اهلها فعرضت ذلك عليهم فأبوا وقالوا: ان شاءت ان تحتسب عليك فلتفعل ويكون ولاؤك لنا. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا يمنعك ذلك منها ابتاعي واعتقي فإنما الولاء لمن اعتق... الخ.
وهكذا اعتقت بريرة وصارت مولاة لعائشة رضي الله عنها ملازمة لها في بيت النبوة.
ولئن كانت بريرة قد ملكت رقبتها فإنها لازمت زوجة النبي رضي الله عنها لتخدمها وتخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت فقيرة معدمة يتصدق الناس عليها احيانا.
وكانت عائشة رضي الله عنها تستنجد ببريرة عندما تغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى مالك عن علقمة بن علقمة عن امه انها قالت: سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج قالت: فأمرت جاريتي بريرة أن تتبعه فتبعته حتى جاء البقيع فوقف في ادناه ما شاء الله ان يقف ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم اذكر له شيئا حتى اصبح ثم ذكرت له ذلك فقال: اني بعثت لاهل البقيع لأصلي عليهم. قال الامام الباجي في المنتقى: يحتمل ان يكون غيرة منها وخوفا ان يأتي بعض حجر نسائه. وقد روي في ذلك.
وقد روت بريرة بعض الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وذلك مثل ما رواه الطبراني في الاوسط عن بريرة مولاة عائشة قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد وهو صائم. ومثل ما رواه ابن عدي والضياء عن بريرة رضي الله عنها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير تمراتكم البرني يذهب الداء ولا داء فيه.
واثبتت خدمة بريرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الاحاديث ففي مصنف ابن ابي شيبة عن عبدالله بن بريدة الاسلمي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا استيقظ من الليل دعا جارية يقال لها بريرة بالسواك. وفي مصنف عبدالرزاق في حديث نص النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته من حديث عائشة قالت: فوجد النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج بين بريرة ونوبة (أي يتكئ عليهما) يخط نعلاه اني لأرى بياض قدميه وابو بكر يؤم الناس.. الخ.
وازداد قدر بريرة مع الايام رفعة وعلوا ولازمت عائشة رضي الله عنها وام سلمة وغيرهما من ازواج النبي صلى الله عليه وسلم طيلة حياتهن. ثم عاشت بعدهن حتى روي عنها انها وعظت بعض الخلفاء.
وقال السهيلي في الروض الانف: وعاشت بريرة حتى روى الحديث عنها بعض التابعين. قال عبدالملك بن مروان (وهو من اعظم خلفاء بني امية) كنت اجالس بريرة قبل ان ألي الامر فتقول لي ان فيك خصالا خليقة بهذا الامر (اي الخلافة) فإن وليت هذا الامر فاتق الله في الدماء فإني سمعت رسول الله صلى الله يقول: ان الرجل ليحال بينه وبين اللجنة بعد ان ينظر اليها بمحجمة دم اراقها من مسلم في غير حق.
مواقع النشر (المفضلة)