طيــور الجنـــة
حنان في مخبأها تحتضن رضيعتها، وحولها ولداها علي وشقيقه الأكبر قاسم. تحدث جيرانها وأقاربها ليمضي ليلهم ويتناسوا أصوات الرعب المحيطة بهم.
تقول حنان: "هذا جارنا أحمد عاد وحيداً وكأنه لم يتزوج ولم يحتضن أطفاله الخمسة..."
غلب النعاس أجفان الساهرين، تهيئوا للنوم، والخوف يقرع قلوبهم على قرع أصوات القنابل الصهيونة الذكية، المنذرة بالموت في كل ثانية.
طبع قاسم ابن السنوات التسع قبلته على خد والدته حنان وقال لها: «معليش يا ست الحبايب، خليني نان مع الرجال، ما أنا صرت كبير». لم يقوى قلبها على منعه وخاصة وأن الرجال في غرفتهم المجاورة، وأردفت لجارتها:«الأولاد كبروا وكبرونا معهم». لكن قاسم بعد تلك الليلة لن يكبر؛ سيبقى كما وصف نفسه رجلاً دون أن يدرك عمر الرجال.
استيقظت حنان مذعورة وسط ظلمةٍ حالكة عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل على أصوات الصواريخ التي استهدفت ملجأهم.
نفضت عنها التراب، رفعت ابنها علي من تحت الركام، سائلٌ ساخن تحسسته على وجه رضيعتها أنبأها بأنها مصابة، لكن صراخها طمأنها أنها على قيد الحياة. لكن أين قاسم؟ سألت نفسها؟ أهي الظلمة أظلمت أيضاً على صوته؟...
الرجال نقلوا جميع الأطفال والنساء من المكان إلى آخر أكثر أمناً من وجهة نظرهم. هناك بعيداً عن المكان بقي قاسم، وقفت حنان عاجزة عن العودة لتتفقده، العودة كانت إنتحاراً.
بين الواحدة، والسادسة صباحاً والقصف من كل حدبٍ وصوب، كان سيد الموقف، بكت، إختنقت الكلمات في حنجرتها، غلبها الصمت، ذهبت مع خيالها الحزين لعدم قدرتها على تلمس وجه حبيبها وبكرها قاسم.
خبر إستشهاده أخرجها عن صمتها، إنطلقت الكلمات المحبوسة في حنجرتها ودوت صرختها ضمائر من بقي عنده ذرة منه وقالت:«بدو ينام مع الرجال حتى صار شهيد متلهم».
علي يسأل «وين خيّ قاسم... ما عاد في حدا العب معو»، تجيبه أم قاسم«صار بالجنة، هونيك الصغار بيصيروا طيور» وتتابع «قاسم طير من طيور الجنة»!!!