الخير قمة الفضائل ونبع الأخلاق الكريمة، تهفو إليه النفوس الطاهرة والقلوب الطيبة والفطرة الزكية والعقول السليمة، والخير في المفهوم الإسلامي اسم جامع لطاعات الله عز وجل، وللأعمال الصالحة التي تستقيم بها الحياة والتي على قمتها ما يجلب النفع للناس ويدرأ المفاسد عنهم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “خير الناس أنفعهم للناس”.
ولقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في الناس من يرجى منه الخير لهم فقال “خيركم من يرجى خيره ويؤمن شرُّه، وشرُّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره” (رواه الترمذي).
وما أحوج العالم إلى التوجه إلى الخير بهذا المعنى وإشاعته في هذا الوقت الذي سادت فيه الأنانية والقطيعة حتى بين أقرب الناس بفعل ثقافات ونظم بعيدة عن الدين.
فعلى المستوى الاقتصادي وفي ظل العولمة يسود النظام الرأسمالي الذي ثبت فشله في تحقيق العدالة الاجتماعية القائمة بالدرجة الأولى على فعل الخير، لأن الرأسمالية تقوم على أسس ثلاثة هي: “الأنانية” سعيا وراء تحقيق المصلحة الذاتية كهدف أساسي للرأسمالية، و”المادية”: القائمة على كون اللذات الحسية هي المعيار للإشباع الاقتصادي وإهمال الجوانب الإنسانية والروحية، و”العلمانية” التي تفصل بين الاقتصاد وبين الدين والأخلاق مما أفقد النظام الرأسمالي قيم الرحمة والإحسان والتعاون ورعاية الأخوة الإنسانية.
ولقد فشلت الرأسمالية باعتراف مفكريها في تحقيق العدالة الاجتماعية لما تقوم عليه من الأنانية والمادية والعلمانية وتغييب قيم الخير من حب الغير والإيثار والعدالة والإحسان، وأصبح الناس في عالم اليوم موزعين بين قلة من الأغنياء يعيشون في بحبوحة مادية لوفرة الموارد لديهم، ولكن حياتهم خالية من البهجة والسعادة، وبين كثرة من الفقراء يعانون البؤس والحرمان.
وعلى المستوى الاجتماعي وفي ظل المدنية الحديثة وما تحمله من قيم التفكك والقطيعة حتى بين أشد الناس التصاقا ببعضهم مثل الأولاد والآباء والأقارب والجيران، زادت العزلة وزادت معها الأمراض النفسية وتزايدت الجرائم الاجتماعية والمخدرات، وذلك بسبب بعد الناس عن التواصل بالخير بما يحمله من المحبة والمواساة والمعاونة في السراء والضراء.
تبعية ذليلة
ثم يأتي الجانب السياسي في بعده عن الخير حيث يتصارع السياسيون ليس من أجل العمل لصالح المجتمع بل سعيا للوجاهة الاجتماعية والنفوذ ولتحقيق المصالح الخاصة لهم، فانتشر الصراع في البلد الواحد بين الأحزاب والأعراق والمناطق، والحروب بين الدول، والجرائم والفساد والإرهاب.
ومع أن النظم المعاصرة (اقتصادية واجتماعية وسياسية) تزعم أنها تسعى لخير البشرية إلا أنها تختلف حول الطرق الموصلة إلى ذلك وعجزت عن الوصول إلى هذا الخير المنشود، والمسلمون في اعتمادهم على النظم والمناهج المستوردة والتبعية الذليلة لم يسلموا من الآثار السيئة لغياب قيم الخير، والسبيل للخروج من ذلك وتأكيد الذات والهوية الإسلامية، هو العودة إلى الدين والتمسك بتعاليمه السديدة وتوجيهاته الرشيدة وقيمه الفاضلة التي تحث على فعل الخير لتحقيق الفلاح كما يقول ربنا عز وجل “وَافْعَلُوا الخيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (الحج: 77) وهي ليست مجرد دعوة للمسلم ليقوم بفعل الخير متى شاء ولكنها دعوة إلى المسارعة والاستباق لعمل الخير كما جاء في قوله تعالى “فَاسْتَبِقُوا الخيْرَاتِ إلى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا” (المائدة: 48) فالسابقون إلى الخيرات هم في الدرجة الأولى من عباد الله الذين اصطفى حيث يقول ربنا “ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ” (فاطر: 32).
والمسارعة إلى فعل الخير من صفات المؤمنين الصالحين حيث يقول الله عز وجل عنهم “وَيُسَارِعُونَ فِي الخيْرَاتِ وَأولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ” (آل عمران: 114) والله عز وجل يجازي من فعل خيراً جزاء حسناً في الدنيا والآخرة كما وعد ربُّ العزة سبحانه في قوله “وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” (المزمل: 20) شريطة أن يكون عمل الخير ابتغاء مرضاة الله وخالصاً لوجهه وليس طلباً لجاه أو سمعة أو رياء فيقول ربنا عز وجل: “لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا” (النساء: 114). ولن يضيع الله سبحانه أجر من يفعل الخير حيث يقول عز وجل “وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالمتَّقِينَ” (آل عمران: 115) وأي مقدار من الخير صغر أو كبر سوف يثاب فاعله كما جاء في قول الله تعالى: “فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يرَه” وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم “لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق” (رواه مسلم). ويشارك فاعل الخير الأجر والثواب من يدل عليه حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من دل على خير فله مثل أجر فاعله” (رواه مسلم) وجاء أيضاً قول الرسول صلى الله عليه وسلم “الدال على الخير كفاعله” (رواه الترمذي).
ومن حكمة الله عز وجل وتقديره أنه وسَّع دائرة الخير وعدَّد طرقه وأبوابه حتى قال البعض إن أبواب الخير بعدد أنفس الخلائق، فهي بذل للمال والجهد وإمساك عن الشر من أجل إسعاد الآخرين حتى يعيش الناس جميعاً حياة طيبة سعيدة.
وكما يقول الحكماء والفلاسفة فإن الخير والشر مكتسبان من البيئة التي يعيش الإنسان فيها ويأتيان بالتطبع عن طريق القدوة والإرشاد، وأجدى الطرق في الإرشاد هي تعاليم الدين، وديننا الإسلامي بحمد الله وفضله زاخر بأبواب الخير.
مواقع النشر (المفضلة)