“سوف” وما أدراك كم عطلت “سوف” من إنجازات وضيعت من ساعات وقعدت بهمم وأهدرت طاقات. ول “سوف” مع الإنسان قصة: “سوف أفعل حين أصبح صبياً” هكذا يقول الطفل، والصبي يقول: حين أصبح شاباً، وحين يصبح شاباً يقول: حين أتزوج، ولكن ماذا بعد الزواج؟ وماذا بعد كل هذه المراحل؟ تتغير الفكرة نحو: حين أكون قادراً على التقاعد، ومن ثم يأتي التقاعد، ينظر خلفه وتلفحه رياح باردة. وهكذا يفقد الإنسان حياته التي ولت دون أن يستفيد منها بدقيقة واحدة. ونحن نتعلم بعد فوات الأوان أن الحياة تقع في كل دقيقة وكل ساعة من يومنا الحاضر، وأن اليوم الذي يمضي لا يعود إلى قيام الساعة، فهل خططنا له وصممنا فيه ونفذنا من خلاله؟ وللحسن البصري عبارة آسرة كان دائماً يرددها: “الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما” البعض ينسى أن يومنا الحالي لو أحسنا التعامل معه الآن فسوف يكون في الغد أمسنا الجميل، فهلا صنعنا لنا أمساً جميلاً؟ هلا جهزنا لنا ماضياً مشرقاً؟ المهم متى سوف نبدأ؟ هل الأسبوع المقبل؟ في الغد؟ أم اليوم؟
هلا استيقظنا في صباحنا للوقوف بين يدي الله تعالى نستمد منه الطاقة التي تعيننا على استغلال نهارنا والإفادة القصوى من الساعات الأربع والعشرين المقبلة؟
إننا إذا أردنا أن ننطلق في يومنا فعلينا أيضاً أن نتخلص من كل عوامل القلق حيث ثبت أنه يشل قدرتنا على التفكير السليم، فحين نقلق يقفز تفكيرنا هنا وهناك، ونفقد كل قدرة على اتخاذ القرار كذلك. وكلنا ينشد راحة البال، وراحة البال الحقيقية تنبع من القبول بالاحتمال الأسوأ، ذلك القبول هو الذي يحرر الذات الإنسانية من أغلال الأسى والأسف على الذي فقدناه، بعدها يكون الإنسان أقدر على التفكير كي ينهض وكي يتدارك، وكي يستمر.
كثيرون هم أولئك الذين يحطمون حياتهم بالغضب والثورة لأنهم لم يقبلوا بالاحتمال الأسوأ، ورفضوا أن يحسنوه وأن ينقذوا ما يستطيعون من الحطام وبدلاً من أن يحاولوا إعادة بناء أنفسهم، راحوا ينغمسون في تحد مرير وعنيف مع التجربة مع أنهم لو فكروا قليلاً لبرزت أمامهم زوايا جديدة ولخرجوا من مآزقهم.
إن جوهر المشكلة يكمن في أن هناك من “يستسهل القلق ويستصعب التفكير”.
ولو أننا صححنا هذه المعادلة لقضينا على القلق بحسن التفكير ووضع الاحتمالات وتوقع الحلول.
كل هذا لا يكون والعبد منفصل عن ربه، منقطع عن جنابه، بل بألا يفارق شفتيه أبداً الطلب الخالد والثناء اللاهج والتذلل الضارع: “إياك نعبد وإياك نستعين”.. وهذه نقطة الانطلاق.
مواقع النشر (المفضلة)