كم يتألم الإنسان حين يرى أو يسمع عن زوجينِ كانا في غاية التفاؤل، بحياة كريمة ملؤها التفاهم والاحترام، ثم يتفاجأ بنشوب مشاكل بينهما، تهدم كل ما بنياه من أحلام، فيُؤذَيَانِ بما لا ذنب لهما فيه، وتكون المصيبة حين تدرك أن سبب هذه المشاكل والخلافات والنزاعات لم ينشأ من الزوجين ابتداءً، وليس ناتجاً عن سوء خلق في أحدهما، أو تدنٍ في مواصفاتهما، ولكنها بسبب تدخلات آخرين من قبل الزوج أو الزوجة، من أهل أو أصحاب مما يُسمَّى بالتخبيب الذي يُقصد به إفساد أحد الزوجين أو الشريكين أو الصاحبين على الآخر، وأكثر ما يكون بين الأزواج، بأن يسعى بينهما طرف ثالث لإذكاء نار الخلاف بينهما، ووأد محاولات الإصلاح، فهو يوغر صدر أحدهما على الآخر، في سلوك بغيض مدمر، لا يقتصر ضرره على الزوجين، بل يتعداهما إلى الأولاد، وأهل الزوجين، بل إلى المجتمع كله، وقد يأتي إفساد أحد الزوجين على صاحبه من الأهل أو الأصحاب والصديقات، فقد يكون الرجل معاشراً زوجته بالمعروف. وأهلها من أهل التخبيب والإفساد بينهما، مما تعظم معه البلوى، وتتأزم المشكلة.
وقد يأتي التخبيب من أهل الزوج أو أصدقائه، فيفسدونه على زوجته، فيتأثر بذلك، بما يسيء علاقته بها، وربما طلقها، وأهمل رعاية أولاده منها، أو ظلمهم، وكم سمعنا ورأينا من قصص مؤلمة لأولاد طُلقت أمهاتهم بلا سبب، إلا التخبيب، فطال أولادها من الأذى ألوان وصنوف، وقد حدثني أحد المهتمين بالعلاقات الأسرية، أنه جاءه شاب يشكو من انحدار في صحته الجسدية، والنفسية، حتى غدا منطوياً لا يحب الحديث، ولا يطيق زوجته المسكينة، التي تبذل - باعترافه - جهوداً خرافيةً لإسعاده، وتهيئة الأجواء المناسبة له في البيت، ولكنه يقابلها بصمت مخيف، وعزوف عن الأكل، حتى نقص وزنه، ولعبت بعقله الوساوس، فشك أن للأمر علاقة بالسحر أو العين، ولكن المفاجأة حين تبين مع التقصي والأسئلة، أن السبب هم أهله الذين خطبوا هذه الزوجة له، وزينوها في عينيه، ورآها فأعجب بها وأخلاقها، وتدينها، ورزانتها، وحرصها على خدمته، فأدرك الرجل كم كان سخيفاً وهو يستسلم لأخواته، وذويهن لتدمير حياته، وظلم زوجته، وأدرك كم كانت شخصيته ضعيفة، إذ سمح للآخرين بالتدخل في شأنه الخاص، فعقد العزم على بدء صفحة جديدة، وكأنما زالت الغشاوة عن عينيه، فأصبح يرى الأمور على حقيقتها.
نسأل الله أن يتم له أمره على خير، والمصيبة أن الأمر لا يقف عند هذه المشكلة التي تهيأ لها مَنْ يكشف النقاب عن أسبابها، وإنما في مشاكل على نفس الشاكلة انتهت بالطلاق، والضرب، والقطيعة بين الأرحام، والأصحاب، مما يحتاج معه الأمر إلى دراسة اجتماعية موسعة، ووضع الحلول والمقترحات، وهذه مسؤولية وزارة الشؤون الاجتماعية، ومراكز خدمة المجتمع في الجامعات.
فيا أيها المخببون ابتعدوا عن الإفساد بين الزوجين، قبل أن تدخلوا القبر وتصيروا إلى الحشر الذي لا ينفع فيه الندم والحسرة، وتوبوا إلى الله - سبحانه - وراقبوا ألسنتكم فإنكم محاسبون على كل ما يصدر منها، واتركوا الزوجين في حالهما من غير تدخل، وعودوا إلى صوابكم فالعَوْدُ أحمدُ، واسمعوا ما حدثتنا به أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أعظمُ حقاً على المرأة قال: زوجها، قلت: فأيُّ الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمُّهُ، رواه البزار والحاكم، وإسناد البزار حسن، وعلى الزوجين أن يمارسا الحكمة والتعقل في النظر إلى الخلافات بينهما، وأن يتعاملا بقدر كبير من الاحترام والتقدير والتراحم فيما بينهما، ويسلكا سبيل التفاهم، والبعد عن العنجهية والمكابرة، واحتقار الآخر أو ظلمه.
والله الهادي إلى سواء السبيل .
مواقع النشر (المفضلة)