لست أمقت صفة من الصفات كما أمقت الكبر الذي يتلبس به بعض الناس , فتظهره أقوالهم وأفعالهم وعموم أحوالهم في خاصة أنفسهم ومع غيرهم من الناس , وإن كان لبعض الصفات مايمكن أن تلصق به من الأسباب تمحلا وتكلفا فليس للكبر شئ من ذلك أبدا , فعلى ماذا يتكبر الإنسان أي إنسان وهو المخلوق الضعيف الذي رآه الناس في لحظة ضعفه الأولى عند ولادته ثم بعد ذلك في سنوات عجزه وضعفه, ثم رأوه بعد ذلك يتطلب رداء الكبر والاستعلاء على عباد الله , وكأنما ملك شيئاً من أمر نفسه , أو لكأنما خلق من مادة أخرى غير مادتهم , وحمل دماء غير دمائهم .

والعجيب أن المتكبر الذي امتلأ ترفعا وتعاليا على عباد الله إنما يكتسب بصنيعه هذا عكس ما طلب وضد ماأراد , فهو في حقيقته الداخلية يشعر بمهانة عميقة يدافعها بهذه المظاهر التي يؤذي بها عباد الله , يقول عمر رضى الله عنه ( ما وجد أحد في نفسه كبرا إلا من مهانة يجدها في نفسه ) والناس كذلك إذا خالطوا المتكبر وشرقوا برؤيته , أو كتب على بعضهم مصيبة مصاحبته استصغروه في أعماقهم , ورأوه في أوضع منزلة وأدنى حال , فكانوا وإياه كما قال الحسن البصري ( إن المتكبر مثل رجل فوق جبل يرى الناس صغارا ويرونه صغيرا )

أيها المسكين الذي امتلأ هواء وخواء رفقا بنفسك الضعيفة التي بين جنبيك فقد وضعتها في موضع مهلك تهوي منه ولابد إلى حيث الصغار في الدنيا, والذلة والهوان في الآخرة حين يكون المتكبرون يوم القيامة كـأمثال الذر يطأهم الناس والدواب .

ليس في صنعة الكبر دين وليس فيها عقل وليس فيها فطرة سوية فمن أين جئت بهذه الخصلة التي يردها الدين ويرفضها العقل وتخالفها الفطرة السوية , أمن أجل لعاعة من الدنيا ابتلاك الله بها , أو أثارة من علم أو منصب ورثته ممن تركه قبلك تختلف عليك نفسك وتختلط عليك موازينك , وتنسى أنك من الناس و وأن الله الذي حرمهم هو الذي أعطاك , وأن الله الذي أعطاك قد أعطى غيرك أكثر مما أعطاك فإلى أين أنت ذاهب ...